للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاثون: الآثار الإيمانية لاسم الله الصّبور

أن المؤمن عندما يدرك اتصافه تعالى بالصبر فلا يعاجل العصاة بالانتقام منهم ويمهلهم لوقت معلوم، فإن هذا كله يفتح له باب الرجاء ويحثه على الإنابة إلى الله تعالى. قال الإمام ابن القيم: وأما صبره سبحانه فمتعلق بكفر العباد وشركهم، ومسبتهم له سبحانه وأنواع معاصيهم وفجورهم فلا يزعجه ذلك كله إلى تعجيل العقوبة بل يصبر على كيده، ويمهله، ويستصلحه ويرفق به، ويحلم عنه، حتى إذا لم يبق فيه موضع للضيعة، ولا يصلح على الإمهال والرفق بالحلم ولا ينيب إلى ربه ولا يدخل عليه لا من باب الإحسان والنعم، ولا من باب البلاء والنقم أخذه أخذ عزيز مقتدر بعد غاية الإعذار إليه، وبذل النصيحة له ودعائه إليه من كل باب، وهذا كله من موجبات صفة حلمه، وهي صفة ذاتية له لا تزول (١).

ومن مقتضى الإيمان بهذا الاسم الكريم أن يصبر العبد ويتصبر ويصابر، وقد أمر الله بذلك فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ [آل عمران: ٢٠٠] فأمر سبحانه بالصبر على ما يخصه وعلى مصابرة الأعداء والمداومة على الصبر حتى يتخذه إلفاً وصاحباً وخلاً ومؤانساً، وقد أخبر أنه يحب الصابرين وأنه معهم والصابرون جمع صابر، والصابر أعلى مقاماً من المتصبر، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال لها: ((اتقي الله واصبري)) (٢) الحديث، وفيه فقال ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) (٣).

وقلما يكون الصبر عند الصدمة الأولى من المتصبر، وإنما يكون من الصابر أو الصبار أو الصبور، وهي مقامات بعضها فوق بعض (٤). منهج الإمام ابن قيم الجوزية في شرح أسماء الله الحسنى لمشرف بن علي بن عبد الله الحمراني الغامدي – ص: ٤٧٨


(١) ((عدة الصابرين)) (ص: ٤٢٠، ٤٢١).
(٢) رواه البخاري (١٢٥٢)، ومسلم (٩٢٦). من حديث أنس رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (١٢٨٣)، ومسلم (٩٢٦). من حديث أنس رضي الله عنه.
(٤) ((الأسنى في شرح الأسماء الحسنى)) للقرطبي (١/ ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>