للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الإيمان بأن الأجل محدود]

إنَّ كلًّا له أجلٌ محدود وأمدٌ ممدود ينتهي إليه لا يتجاوزه ولا يقصر عنه، وقد علم الله تعالى: جميع ذلك بعلمه الذي هو صفته، وجرى به القلم بأمره يوم خلقه، ثم كتبه الملك على كل أحد في بطن أمه بأمر ربه عز وجل عند تخليق النطفة في عينه في أي مكان يكون وفي أي زمان فلا يزاد فيه ولا ينقص منه ولا يغير ولا يبدل عما سبق به علم الله تعالى: وجرى به قضاؤه وقدره، وأنَّ كُلَّ إنسانٍ مات أو قتل أو حرق أو غرق أو بأَيِّ حتف هلك بأجله لم يستأخر عنه ولم يستقدم طرفة عين، وأن ذلك السبب الذي كان هو فيه حتفه هو الذي قدره الله تعالى: عليه وقضاه عليه وأمضاه فيه ولم يكن له بد منه ولا محيص عنه ولا مفر له ولا مهرب ولا فكاك ولا خلاص، وأنى وكيف وإلى أين ولات حين مناص، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا [آل عمران:١٤٥] الآية. وقال تعالى: قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران: ١٥٤] الآيات. وقال تعالى: أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [النساء:٧٨] وقال تعالى: حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:٦١ – ٦٢] وقال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:٣٤] في مواضع من القرآن، وقال تعالى: كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى [الرعد:٢] وقال تعالى: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى [طه:١٢٩] وقال تعالى: وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:٨] وقال تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة:٨]، وقال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر:٤٢] وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إليه مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأنعام:٦٠] وغيرها من الآيات. وروى مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى: في (صحيحه) عن المعرور بن سويد عن عبدالله بن مسعود قال: قالت أم حبيبة رضي الله عنها: اللَّهُمَّ مَتِّعني بزوجي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّكِ سألتِ الله تعالى: لآجالٍ مضروبةٍ وآثارٍ موطوءةٍ وأرزاقٍ مقسومةٍ لا يعجل شيء منها قبل حله ولا يؤخر منها يوماً بعد حله، ولو سألت الله تعالى: أنْ يعافيك من عذابٍ في النار وعذابٍ في القبر لكانَ خيراً لكِ)) (١).


(١) رواه مسلم (٢٦٦٣) (٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>