للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسالة الثانية: التحذير من المحبة البدعية]

يظن البعض من الناس أن له الحق في التعبير عن محبته للنبي صلى الله عليه وسلم بما يراه ويستحسنه من الأمور، من غير أن يراعي في ذلك قواعد الشرع وأصوله, وهذا الصنف من الناس تراه منساقاً مع عواطفه, جاعلاً لها حق التشريع في هذا الدين. فتراه يغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم حتى كمل به إلى بعض مراتب الألوهية. وتراه يبتدع في دين الله أموراً تصل إلى حد العظائم. وتراه يقدم على الشركيات والكفريات. وكل ذلك بدعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم ولقد حكم الله عز وجل بالضلال على هذا الصنف فقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص: ٥٠].

فالمتبعون لعواطفهم وأهوائهم المحكمون لها، لابد وأن يكونوا نابذين لهدي الله المتمثل في الكتاب والسنة، واللذين يشتملان على قواعد هذا الدين وأصوله والتي من ضمنها تحريم الابتداع في الدين والإحداث فيه، وتحريم الغلو بشتى مظاهره وأشكاله، وتحريم الشرك بمختلف صوره وألوانه.

ولذلك حكم الله بضلالهم وغوايتهم, وبعدهم عن الصراط المستقيم. فحري بأمثال هؤلاء أن يقلعوا عن غيهم، وأن يحكموا في عواطفهم كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم من الدين، وتحقيقها يكون عن طريق ما شرع في هذا الدين، لا عن طريق البدع وما تهواه النفوس, فالبدع قد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم منها بقوله: ((إياكم ومحدثات الأمور)) (١) وهذا الحديث يعني في هذا المقام أن ليس لأحد الحق في التعبير عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم, فعلى المسلم أن يدرك هذا الأمر, وليحذر من سبل أهل الضلال والانحراف.

قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: ١٥٣].

وإن الناظر في أحوال أولئك المفتونين بالبدع تحت دعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنهم قد رغبوا في تلك الأمور المبتدعة لأنها أمور لا مشقة فيها على النفس, فجعلوها بدلاً مما يجب عليهم من الأعمال والطاعات التي تشق على نفوسهم الضعيفة المريضة، فالمحبة عند هؤلاء تنحصر في مظاهر التعظيم اللساني المليء بالغلو والشرك, والمقترن بالاجتماع على موائد الطعام والذي لا يخلو في بعض الأحيان من المنكرات والمحرمات.

ويحق للمرء أن يتساءل: أي محبة هذه التي تجيز لهؤلاء أن يبتدعوا في دين الله بزيادة أو نقص, أو تغيير أو تبديل؟ لاشك أن فعل هذه الأمور يناقض المحبة ويضادها جملة وتفصيلاً، ولا عذر لفاعلها فيما أقدم عليه وإن كان فعل ذلك بحسن نية، فحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين، فلقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية، فمازالوا على حالهم تلك حتى صارت أديانهم على غير ما جاءت به رسلهم.

ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس يتمسك بتلك البدع تقليداً لمشائخه أو عشيرته أو أهل بلده. إلى غير ذلك من العصبيات الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان, والتي أعمت بصائر الكثير منهم وأضلتهم عن سبيل الله.


(١) رواه أبو داود (٤٦٠٧) والترمذي (٢٦٧٦)، وابن ماجه (٤٢) وأحمد (٤/ ١٢٦) (١٧١٨٤)، والحاكم (١/ ١٧٦). من حديث العرباض بن سارية. والحديث سكت عنه أبو داود, وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح ليس له علة ووافقه الذهبي. وقال ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (٢/ ١١٦٤): ثابت صحيح, وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (١/ ١٨١)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).

<<  <  ج: ص:  >  >>