للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل السادس: من أقوال السلف في القدر]

- يقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في عقيدته التي نقلها ابن الجوزي:

(ونؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره، حلوه ومره من الله) ويقول أيضاً: (أجمع سبعون رجلاً من التابعين, وأئمة المسلمين، وأئمة السلف, وفقهاء الأمصار على أن السنة التي توفي عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولها الرضا بقضاء الله, والتسليم لأمر الله, والصبر تحت حكمه, والأخذ بما أمر الله به، والنهي عما نهى عنه، وإخلاص العمل لله، والإيمان بالقدر خيره وشره، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين) (١).

وفي مسائل الإمام أحمد: (أخبرنا أبو بكر قال: حدثنا أبو داود قال: سمعت أحمد قال له رجل: تلجئني القدرية إلى أن أقول: الزنا بقدر، والسرقة بقدر، قال: الخير والشر من الله) (٢).

- وقد نقل الإمام البخاري في كتابه (خلق أفعال العباد) عدة روايات تدل على أن الله خالق أفعال العباد، ثم قال: (قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل شيء بقدر حتى وضعك يدك على خدك. قال أبو عبدالله محمد بن إسماعيل: سمعت عبدالله بن سعيد يقول: مازلت أسمع من أصحابنا يقولون إن أفعال العباد مخلوقة, قال أبو عبدالله: حركاتهم وأصواتهم، واكتسابهم، وكتابتهم، مخلوقة) (٣) وقال: (فالله في ذاته هو الخالق, وحظك واكتسابك من فعلك خلق، لأن كل شيء دون الله يصنعه وهو خلق) (٤).

- ويقول شيخ المالكية في المغرب ابن أبي زيد القيرواني: (والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره، وكل ذلك قد قدره الله ربنا, ومقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه، علم كل شيء قبل كونه، فجرى على قدره، لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:١٤] , يضل من يشاء فيخذله بعدله، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله، فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من عمله، وقدره من شقي أو سعيد، تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد، أو يكون لأحد عنه غنى، خالقاً لكل شيء, ألا هو رب العباد، ورب أعمالهم، والمقدر لحركاتهم وآجالهم) (٥).

- ويذكر الإمام البيهقي في كتابه: (الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة) روايات عديدة تبين مذهب السلف، وأن الله خالق أفعال العباد، وقال معقباً على بعضها: (فثبت أن الأفعال كلها خيرها وشرها صادرة عن خلقه وإحداثه إياها، ولأنه قال: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى [الأنفال:١٧] , وقال: أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الواقعة:٦٤] , فسلب عنهم فعل القتل والرمي والزرع مع مباشرتهم إياه، وأثبت فعلها لنفسه, ليدل بذلك على أن المعنى المؤثر في وجودها بعد عدمها هو إيجاده وخلقه, وإنما وجدت من عباده مباشرة تلك الأفعال بقدرة حادثة أحدثها خالقنا - عز وجل - على ما أراد فهي من الله - سبحانه وتعالى - خلق, على معنى أنه هو الذي اخترعها بقدرته القديمة, وهي من عبادة كسب, على معنى تعلق قدرة حادثة بمباشرتهم التي هي أكسابهم) (٦).

ثم قال: (أخبرنا أبو عبدالله الحافظ، قال: نا الزبير بن عبدالواحد الحافظ, قال حدثني حمزة بن علي العطار، قال: نا الربيع بن سليمان, قال سئل الشافعي رضي الله عنه عن القدر فأنشأ يقول:


(١) ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: ٢٢٨)، وانظر: ((المدرسة السلفية)) لمحمد عبد الستار نصار (٢/ ٥٢٥).
(٢) انظر: ((السنة)) للخلال (٣/ ٥٤٣).
(٣) ((خلق أفعال العباد)) للبخاري (١٠٦).
(٤) ((خلق أفعال العباد)) للبخاري (١٠٨).
(٥) ((مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني)) (ص: ٦ - ٧).
(٦) ((الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد)) (ص: ١٤٣ - ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>