للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم]

١ - قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء: ٥٩]، أورد الطبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن أولي الأمر هم الأمراء) (١) ثم قال الطبري: (أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هم الأمراء والولاة فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة) (٢) وقال ابن كثير: (الظاهر - والله أعلم أن الآية عامة في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء) (٣) وهذا هو الراجح.

ووجه الاستدلال من هذه الآية: أن الله سبحانه أوجب على المسلمين طاعة أولي الأمر منهم وهم الأئمة، والأمر بالطاعة دليل على وجوب نصب ولي الأمر، لأن الله تعالى لا يأمر بطاعة من لا وجود له، ولا يفرض طاعة من وجوده مندوب، فالأمر بطاعته يقتضي الأمر بإيجاده، فدل على أن إيجاد إمام للمسلمين واجب عليهم.

٢ - ومن الأدلة أيضًا قول الله تعالى مخاطبًا الرسول - صلى الله عليه وسلم -: فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ ... [المائدة: ٨٣]، وقوله تعالى: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ [المائدة: ٤٩].

فهذا الأمر من الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يحكم بين المسلمين بما أنزل الله - أي بشرعه -، وخطاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطاب لأمته ما لم يرد دليل يخصصه به، وهنا لم يرد دليل على التخصيص، فيكون خطابًا للمسلمين جميعًا بإقامة الحكم بما أنزل الله إلى يوم القيامة، ولا يعني إقامة الحكم والسلطان إلا إقامة الإمامة، لأن ذلك من وظائفها ولا يمكن القيام به على الوجه الأكمل إلا عن طريقها، فتكون جميع الآيات الآمرة بالحكم بما أنزل الله دليلاً على وجوب نصب إمام يتولى ذلك .. والله أعلم.

٣ - ومن الأدلة أيضًا قول الله تبارك وتعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد: ٢٥].

فمهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام ومن أتى بعدهم من أتباعهم أن يقيموا العدل بين الناس على وفق ما في الكتاب المنزل، وأن ينصروا ذلك بالقوة، وهذا لا يأتي لأتباع الرسل إلا بتنصيب إمام يقيم فيهم العدل، وينظم جيوشهم المناصرة، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فالدين الحق لا بد فيه من الكتاب الهادي والسيف الناصر .. فالكتاب يبين ما أمر الله به وما نهى عنه، والسيف ينصر ذلك ويؤيده) اهـ (٤).

٤ - ومن الأدلة القرآنية أيضًا جميع آيات الحدود والقصاص ونحوها من الأحكام التي يلزم القيام بها وجود الإمام.

وآيات وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوها من الآيات، فالواقع أن جميع الآيات القرآنية التي نزلت بتشريع حكم من الأحكام التي تتعلق بموضوع الإمامة وشؤونها جاءت على أساس أن قيام الإمامة الشرعية والقيادة العامة في المجتمع الشرعي شيء مفروغ من إثباته ولا نقاش في لزومه، ذلك لأن الأحكام المشار إليها من الأمور التي يتوقف امتثالها وتنفيذها على وجود الإمام لأنها من مسؤولياته ووظائفه، فتشريع مثل هذه الأحكام يلزمه مسبقًا المفروغية من تشريع حكم لزوم الإمامة وقيام الدولة الإسلامية في المجتمع المسلم، وهذا ينهينا إلى أن لزوم الإمامة وإقامة الدولة في المجتمع الإسلامي من بدهيات وضروريات الشريعة الإسلامية.


(١) [١٢٩٠٧])) رواه الطبري في تفسيره (٨/ ٤٩٧) قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (١٢/ ٤٦٤): أخرجه الطبري بإسناد صحيح، وقال أحمد شاكر: هذا موقوف على أبي هريرة وإسناده صحيح، ومعناه صحيح.
(٢) [١٢٩٠٨])) ((تفسير الطبري)) (٨/ ٥٠٢).
(٣) [١٢٩٠٩])) ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٣٤٥).
(٤) [١٢٩١٠])) ((منهاج السنة)) لابن تيمية (١/ ١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>