للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السادس: حكم التقصير في كل مرتبة من المراتب الثلاث]

اعلم أن التقصير في هذه المراتب يكون بترك واجب أو فعل محرم وهذا تعريف الذنوب على الإطلاق مع وجود تفاوت بين مراتب الذنوب فمن الذنوب ما هو كفر مخرج من الملة ينافي أصل الإيمان ومنها ما هو كفر أصغر وكبيرة وفسق ينافي كمال الواجب ويتفاوت حكم التقصير في كل مرتبة من مراتب الإيمان.

فمن قصر في أصل الإيمان بترك واجب من الواجبات الداخلة في أصل الإيمان كترك الإقرار بالشهادتين وترك الصلاة وانتفاء التصديق وغيرهما مما تدخل في واجبات أصل الإيمان سواء كانت من أعمال القلب أو اللسان أو الجوارح. ... وأن كل أمر وردت الشريعة بكفر تاركه فهو من واجبات أصل الإيمان. هذا بالنسبة لترك واجب من واجبات أصل الإيمان. وكذلك فإن أصل الإيمان ينهدم بفعل محرم يضاده وهو: كل أمر نهى عنه الشارع وكفر فاعله ... وأن كل محرم كفر الشارع فاعله فتركه من أصل الإيمان وفعله ينافي أصل الإيمان ويخرج صاحبه من الملة، ومن هذه الأمور: سب الله والرسول، والاستهزاء بالدين، وبغض الدين والرسول صلى الله عليه وسلم، ومحاربة الإسلام، ودعاء غير الله والذبح له والتحاكم إلى الطاغوت وكل أمر مكفر حكم الشرع بكفر فاعله، وقائله ومعتقده.

وأما بالنسبة للإيمان الواجب: فإن التقصير فيه يكون بترك واجب من الواجبات أو انتهاك محرم من المحرمات مما لا تصل إلى حد الكفر كما هو الحال في أصل الإيمان. فمن ترك واجبا أو فعل محرما استحق الوعيد وصار من فساق الملة ولا يعد من أصحاب الإيمان الكامل الواجب لأن إيمانه نقص لما ارتكبه من تقصير في واجب أو انتهاك في محرم من كبائر الذنوب فلا يعطى له اسم الإيمان على الإطلاق ... وأن اسم المؤمن المطلق لا يعطى إلا لمن أدى جميع الواجبات وترك جميع المحرمات بل يعطى مطلق الاسم فقال مؤمن ناقص الإيمان مع بيان صفة إيمانه بأنه ناقص أو يعطى له اسم الإيمان على التقييد فيقال مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته. كما هو صريح النصوص الشرعية مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن .. )) (١) أي وهو كامل الإيمان وقد روى عن بعض السلف أنهم قالوا يخرج من الإيمان إلى الإسلام وهذا القول مع أن فيه سلب اسم الإيمان بالكلية فإنه ليس المشهور الوارد عن السلف بل المشهور إبقاء اسم الإيمان عليه مع التقييد أي سلب الاسم المطلق عنه لا مطلق الاسم وهو المعروف بالفاسق الملي لبقائه في دائرة الملة الإسلامية تميزا ولو وجه هذا القول في حق مرتكب الكفر والشرك والنفاق الأصغر لكان متوجها لإطلاق اسم الكفر عليه من قبل الشرع مع أن المقصود به غير المخرج من الملة كقول النبي صلى الله عليه وسلم ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) (٢) وقوله صلى الله عليه وسلم ((لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)) (٣) وغيرها من النصوص الواردة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم.


(١) رواه البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٥٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤). من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٤٤٠٢)، ومسلم (٦٦). من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>