للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رابعا: أن يلتمس العذر للعالم، ويحسن الظن به، ويقيله عثرته]

قال الإمام السبكي – رحمه الله -: (فإذا كان الرجل ثقة مشهوداً له بالإيمان والاستقامة، فلا ينبغي أن يحمل كلامه وألفاظ كتاباته على غير ما تعود منه ومن أمثاله، بل ينبغي التأويل الصالح، وحسن الظن الواجب به وبأمثاله) (١).

وقال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى:

(والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يريد بها أحدهما: أعظم الباطل، ويريد بها الآخر: محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه، وما يدعو إليه، ويناظر عنه) (٢).

وأسند البخاري في كتاب الشروط من (صحيحه) قصة الحديبية ومسير النبي صلى الله عليه وسلم إليها، وفيها:

((وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته، فقال الناس: حل حل، فألحت، فقالوا: خلأت القصواء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل)) إلخ الحديث.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فقه الحديث: (جواز الحكم على الشيء بما عرف من عادته، وإن جاز أن يطرأ غيره، فإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد منه مثلها، لا ينسب إليها، ويرد على من نسبه إليها، ومعذرة من نسبه إليها ممن لا يعرف صورة حاله؛ لأن خلأ القصواء لولا خارق العادة لكان ما ظنه الصحابة صحيحاً، ولم يعاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لعذرهم في ظنهم) (٣) اهـ.

قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله: (فقد أعذر النبي صلى الله عليه وسلم غير المكلف من الدواب باستصحاب الأصل، ومن قياس الأولى إذا رأينا عالماً عاملاً، ثم وقعت منه هنة أو هفوة، فهو أولى بالإعذار، وعدم نسبته إليها والتشنيع عليه بها – استصحاباً للأصل – وغمر ما بدر منه في بحر علمه وفضله، وإلا كان المعنف قاطعاً للطريق ردءاً للنفس اللوامة، وسبباً في حرمان العالم من علمه، وقد نهينا أن يكون أحدنا عونا للشيطان على أخيه) (٤) اهـ.

ثم نقل قول الصنعاني رحمه الله تعالى: (وليس أحد من أفراد العلماء إلا وله نادرة ينبغي أن تغمر في جنب فضله وتجتنب) اهـ.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((من أقال مسلما أقال الله عثرته)) (٥).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)) (٦).

قال الإمام الشافعي – رحمه الله – (ذوو الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين ليسوا يعرفون بالشر، فيزل أحدهم الزلة) (٧).


(١) ((قاعدة في الجرح والتعديل)) (ص: ٩٣).
(٢) ((مدارج السالكين)) (٣/ ٥٢١).
(٣) ((فتح الباري)) (٥/ ٣٣٥).
(٤) ((تصنيف الناس)) (ص: ٨٠).
(٥) رواه أبو داود (٣٤٦٠)، وابن ماجه (١٨٠٠)، وابن حبان (١١/ ٤٠٤) (٥٠٢٩)، والحاكم (٢/ ٥٢). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (ص: ٦٨٧)، وقال ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (ص: ٩٩): صحيح.
(٦) رواه أبو داود (٤٣٧٥)، وأحمد (٦/ ١٨١) (٢٥٥١٣)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٤/ ٣١٠) (٧٢٩٤)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (٤٦٥)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (٩/ ٤٣)، والبيهقي (٨/ ١٦١) (١٦٤٢٣). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال العقيلي في ((التلخيص الحبير لابن حجر)) (٤/ ١٤٠٣): له طرق، وليس فيها شيء يثبت، وجوده ابن حزم في ((المحلى)) (١١/ ٤٠٥).
(٧) رواه البيهقي (٨/ ٣٣٤) (١٨٠٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>