للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: خروج الدجالين أدعياء النبوة]

ومن العلامات التي ظهرت خروج الكذابين الذين يدعون النبوة, وهم قريب من ثلاثين كذاباً, وقد خرج بعضهم في الزمن النبوي وفي عهد الصحابة, ولا يزالون يظهرون, وليس التحديد في الأحاديث مراداً به كل من ادعى النبوة مطلقاً, فإنهم كثير لا يحصون, وإنما المراد من قامت له شوكة, وكثر أتباعه, واشتهر بين الناس (١).

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين. كلهم يزعم أنه رسول الله)) (٢).

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان، وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي)) (٣).

والأحاديث في ظهور هؤلاء الدجاجلة كثيرة, وفي بعضها وقع أنهم ثلاثون بالجزم كما في حديث ثوبان, وفي بعضها أنهم قريب من الثلاثين كما في حديث الصحيحين, ولعل رواية ثوبان على طريقة جبر الكسر (٤).

وممن ظهر من هؤلاء الثلاثين مسيلمة الكذاب, فادعى النبوة في آخر زمن النبي صلى الله عليه وسلم, وكاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه مسيلمة الكذاب وقد كثر أتباعه, وعظم شره على المسلمين حتى قضى عليه الصحابة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في معركة اليمامة المشهورة.

وظهر كذلك الأسود العنسي في اليمن وادعى النبوة, فقتله الصحابة قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم, وظهرت سجاح وادعت النبوة, وتزوجها مسيلمة ثم لما قتل رجعت إلى الإسلام.

وتنبأ أيضاً طليحة بن خويلد الأسدي, ثم تاب ورجع إلى الإسلام وحسن إسلامه. ثم ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي, وأظهر محبة أهل البيت, والمطالبة بدم الحسين, وكثر أتباعه فتغلب على الكوفة في أول خلافة ابن الزبير, ثم أغواه الشيطان فادعى النبوة ونزول جبريل عليه (٥). والذي يقوي أنه من الدجالين ما رواه أبو داود بعد سياقة لحديث أبي هريرة الذي في الصحيحين في ذكر الكذابين عن إبراهيم النخعي أنه قال لعبيدة السلماني: أترى هذا منهم – يعني المختار؟ قال: فقال عبيدة: أما أنه من الرؤوس) (٦).

ومنهم الحارث الكذاب خرج في خلافة عبد الملك بن مروان فقتل وخرج في خلافة بني العباس جماعة (٧).

وظهر في العصر الحديث ميرزا أحمد القادياني بالهند وادعى النبوة, وأنه المسيح المنتظر, وأن عيسى ليس بحي في السماء, إلى غير ذلك من الإدعاءات الباطلة, وصار له أتباع وأنصار, وانبرى له كثير من العلماء, فردوا عليه وبينوا أنه أحد الدجالين.

ولا يزال خروج هؤلاء الكذابين واحداً بعد الآخر حتى يظهر آخرهم الأعور الدجال. فقد روى الإمام أحمد عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم كسفت الشمس على عهده: ((وأنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً آخرهم الأعور الكذاب)) (٨).

ومن هؤلاء الكذابين أربع نسوة, فقد روى الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((في أمتي كذابون ودجالون سبعة وعشرون منهم أربع نسوة, وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي)) (٩). أشراط الساعة ليوسف الوابل- ٨٩


(١) ((فتح الباري)) (٦/ ٦١٧).
(٢) رواه البخاري (٣٦٠٩)، ومسلم (١٥٧).
(٣) رواه أبو داود (٤٢٥٢)، والترمذي (٢٢١٩). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٩٠٦)، وقال السخاوي في ((البلدانيات)) (١٠٥): صحيح.
(٤) ((فتح الباري)) (١٣/ ٨٧).
(٥) ((فتح الباري)) (٦/ ٦١٧).
(٦) رواه أبو داود بعد حديث (٤٣٣٤). قال الألباني في ((ضعيف سنن أبو داود)): ضعيف مقطوع.
(٧) ((فتح الباري)) (٦/ ٦١٧).
(٨) رواه أحمد (٥/ ١٦) (٢٠١٩٠) بلفظ: ((الدجال)) بدلاً من ((الكذاب)). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٧/ ٣٤٤): رجال أحمد رجال الصحيح غير ثعلبة بن عباد وثقه ابن حبان.
(٩) رواه أحمد (٥/ ٣٩٦) (٢٣٤٠٦). قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (١٣/ ٩٣): أخرجه أحمد عن حذيفة بسند جيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>