للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: البلوغ]

وهذا من الشروط البديهية واللازمة في كل ولاية إسلامية صغيرة كانت أو كبيرة، فلا تنعقد إمامة الصبي لأنه مولى عليه في أموره وموكل به غيره، فكيف يجوز أن يكون ناظرًا في أمور الأمة، قال تعالى: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً [النساء:٥] والمراد بالسفهاء هنا: (الصغار والنساء) (١) فإذا نهينا عن إعطائهم أموالهم لأنهم لا يحسنون التصرف فمن باب أولى أن لا يقلَّدوا تدبير أمور المسلمين، ولأن الصغير غير مكلف لما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن القلم رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ)) (٢) فمن رُفع عنه القلم لا يصح تصرفه في الأمور لأنه غير مكلف شرعًا فما دام لا يملك التصرف في خاصة نفسه فلا يجوز شرعًا أن يكون مالكًا للتصرف في جميع شؤون المسلمين، ومن لا يلي أمر نفسه لا يلي أمر المسلمين من باب أولى.

١) ما كان عارضًا مرجوًا زواله كالإغماء فهذا قال عنه أبو يعلى: (لا يمنع عقدها ولا استدامتها لأنه مرض قليل اللبث، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغمي عليه في مرضه) (٣).

(٢) ما كان لازمًا لا يرجى زواله كالجنون والخبل، وهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

أ- ما كان مطبقًا لا يتخلله إفاقة فهذا يمنع الابتداء والاستدامة، وإذا طرأ عليه أبطلها لأنه يمنع مقصود الولاية.

ب- ما كان أكثر زمانه الخبل فهذا كما كان مطبقًا.

جـ - ما كان أكثر زمانه الإفاقة فهذا يمنع من عقد الإمامة (٤) واختلف في منعه من استدامتها.

هذا ولا يكتفى في رئيس الدولة أن يكون عاقلاً فقط، بل لا بد أن يكون على درجة عالية من الذكاء والفطنة تمكّنه من التفكير في قضايا الأمة وإيجاد الحلول المناسبة لها. الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي – ص: ٢٣٧


(١) [١٢٩٤٩])) ((أحكام القرآن)) لابن العربي (١/ ٣١٨) هذا على سبيل الغالب وإلا ففيه رجال سفهاء، كما أن هناك نساء عاقلات.
(٢) [١٢٩٥٠])) رواه أبو داود (٤٤٠٢)، وأحمد (١/ ١٥٤) (١٣٢٧)، والحاكم (٤/ ٤٣٠). بلفظ: ((رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم)). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: وقد روي هذا الحديث بإسناد صحيح عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا، وقال الذهبي في ((التلخيص)): صحيح فيه إرسال، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(٣) [١٢٩٥١])) ((الأحكام السلطانية)) لأبي يعلى (ص: ٢١).
(٤) [١٢٩٥٢])) ((الأحكام السلطانية)) للماوردي (ص: ١٨)، و ((الأحكام السلطانية)) لأبي يعلى: (ص: ٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>