للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أربع وخمسون: الآثار الإيمانية لاسم الله الواسع]

١ - الله سبحانه وتعالى واسع في علمه، واسع في حكمته، فلو كان ماء البحر مداداً للقلم الذي يكتب به كلمات الله وحكمته، وآياته وعلمه وشرعه وقدره، لنفد ماء البحر قبل أن تنفد ما عند الله من علم وحكمة وآيات، ولو مددنا البحر بمثل ما فيه، كما قال تعالى قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف: ١٠٩].

وقال سبحانه وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان: ٢٧]. أي لو أن أشجار الأرض كانت أقلاما، والبحار مداداً، وسبعة بحار مثلها مداداً، وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات في الله، لنفدت البحار وتكسرت الأقلام، ولم تنفد كلمات الله جل شأنه.

وقد نظم ذلك ابن القيم بقوله:

كلماته جلت عن الإحصاء والتعداد بل عن حصر ذي الحسبان

لو أن أشجار البلاد جميعها الأقلام تكتبها بكل بنان

والبحر تلقى فيه سبعة أبحر ... لكتابة الكلمات كل زمان

نفدت ولم تنفد بها كلماته ... ليس الكلام من الإله بفان (١)

٢ - تقدم قول الحليمي رحمه الله أن (الواسع) معناه الكثير مقدوراته ومعلوماته.

فقد جاء اسمه (الواسع) مقترناً بـ (العليم) في سبع آيات من كتاب الله، فالله سبحانه واسع العطاء، كثير الأفضال على خلقه، والخلق كلهم يتقلبون في رحمته وجوده وفضله، يعطى من يشاء ويمنع، ويخفض من يشاء ويرفع، بعلمه الذي وسع كل شيء وحكمته.

وقد ذكر الله اعتراض بنو إسرائيل على نبيهم حين قال لهم: إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ [البقرة: ٢٤٧]. أي كيف يكون له الملك وليس من سبط النبوة ولا الملك (٢)، ونحن أحق بالملك منه، ثم هو ليس من الأغنياء أصحاب الأموال والسعة في الرزق ليفضل علينا، فرد عليهم نبيهم عليه الصلاة والسلام بقوله قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ أي: أن الله سبحانه قد زاده بسطة وسعة في العلم والجسم، وهما خير من الملك والمال، ثم ذكرهم بأنه مختار من قبل الله سبحانه وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.

قال ابن جرير: يعني تعالى بذلك: إن الملك لله وبيده دون غيره، (يؤتيه) قول: يؤتى ذلك من يشاء فيضعه عنده ويخصه به ويمنحه من أحب من خلقه، يقول فلا تستنكروا يا معشر الملأ من بني إسرائيل أن يبعث الله طالوت ملكا عليكم، وإن لم يكن من أهل بيت المملكة، فإن الملك ليس بميراث عن الآباء والأسلاف، ولكنه بيد الله يعطيه من يشاء من خلقه، فلا تتخيروا على الله.

وأما قوله (والله واسع عليم) فإنه يعني بذلك: والله واسع بفضله فينعم به على من أحب، ويريد به من يشاء، عليم بمن هو أهل لملكه الذي يؤتيه، وفضله الذي يعطيه، فيعطيه ذلك لعلمه به، وبأنه لما أعطاه أهل، إما للإصلاح به، وإما لأن ينتفع هو به اهـ (٣).

٣ - تقدم قول القرطبي في الواسع أنه الذي يوسع على عباده في دينهم، ولا يكلفهم ما ليس في وسعهم.

ومصداق ذلك من كتاب الله قوله سبحانه يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: ١٨٥].


(١) ((النونية)) (٢/ ٢١٧).
(٢) لأنه من سبط بنيامين بن يعقوب ((ابن جرير)) (٢/ ٣٧٨).
(٣) ((جامع البيان)) (٢/ ٣٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>