للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: الإيمان والتسليم والتعظيم لنصوص الوحيين]

ومن أصول عقيدة السلف الصالح؛ أهل السنة والجماعة في منهج التلقي والاستدلال اتباع ما جاء في كتاب الله عز وجل وما صح من سنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ظاهراً وباطناً، والتسليم لها، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا [الأحزاب: ٣٦]

وأهل السنة والجماعة: لا يقدمون على كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كلام أحد من الناس، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات: ١]. ويعلمون بأن التقدم بين يدي الله ورسوله من القول على الله بغير علم، وهو من تزيين الشيطان الوجيز في عقيدة السلف الصالح لعبد الحميد الأثري - ص١٥٧

ومما روي عن السلف في الإيمان والتسليم للنصوص:

(قال رجل للزهري: يا أبا بكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لطم الخدود)) (١)، ((وليس منا من لم يوقر كبيرنا)) (٢) وما أشبه هذا الحديث؟ فأطرق الزهري ساعة، ثم رفع رأسه فقال: من الله عز وجل العلم، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم). (٣)

ولما ذكر عبدالله بن المبارك رحمه الله حديث: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... )) (٤)، فقال فيه قائل: ما هذا! على معنى الإنكار، فغضب ابن المبارك وقال: يمنعنا هؤلاء الأنان (٥) أن نحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكلما جهلنا معنى حديث تركناه! لا بل نرويه كما سمعنا، ونلزم الجهل أنفسنا. (٦) ومما يحسن إيراده في هذا الموضع ما قاله ابن تيمية: ينبغي للمسلم أن يقدر قدر كلام الله ورسوله .. فجميع ما قاله الله ورسوله يجب الإيمان به، فليس لنا أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، وليس الاعتناء بمراده في أحد النصين دون الآخر بأولى من العكس، فإذا كان النص الذي وافقه يعتقد أنه اتبع فيه مراد الرسول، فكذلك النص الآخر الذي تأوله، فيكون أصل مقصوده معرفة ما أراده الرسول بكلامه. (٧) نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف - ص٤٩٣

وقال محمد بن نصر المروزي في معنى الإيمان: الإيمان بالله: أن توحده، وتصدق به بالقلب واللسان، وتخضع له ولأمره، بإعطاء العزم للأداء لما أمره، مجانباً للاستنكاف، والاستكبار، والمعاندة، فإذا فعلت ذلك لزمت محابه، واجتنبت مساخطه ... وإيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم إقرارك به، وتصديقك إياه، واتباعك ما جاء به، فإذا اتبعت ما جاء به، أديت الفرائض، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ووقفت عند الشبهات، وسارعت في الخيرات تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي - ١/ ٣٩٢


(١) رواه البخاري (١٢٩٧)، ومسلم (١٠٣). من حديث عبد الله بن مسعود.
(٢) رواه الترمذي (١٩١٩). من حديث أنس بن مالك. وقال: هذا حديث غريب، ورواه أحمد (٢/ ٢٠٧) (٦٩٣٥). من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند (١١/ ١٤٣): إسناده صحيح، والحديث صححه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٢١٩٦).
(٣) رواه الخلال في ((السنة)) (٣/ ٥٧٩)، وانظر: ((تعظيم قدر الصلاة)) لمحمد بن نصر المروزي (١/ ٤٨٧).
(٤) رواه البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٥٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٥) أي: كثيرو الكلام والتشكي ((لسان العرب)) لابن منظور (١٣/ ٢٨).
(٦) ((تعظيم قدر الصلاة)) لمحمد بن نصر المروزي (١/ ٥٠٤ - ٥٠٥).
(٧) ((مجموع الفتاوي)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (٧/ ٣٦ - ٣٧) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>