للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: الجنس الذي منه إبليس]

اختلف العلماء في جنس إبليس هل هو من الملائكة أم من الجن؟ وذلك لورود الآيات القرآنية باستثنائه من الملائكة في مواضع من القرآن عند التعرض لسجود الملائكة لآدم عليه السلام قال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة: ٣٤]. وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ [الأعراف: ١١]. وقال: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ [ص: ٧٣ - ٧٤]. وغير ذلك من الآيات، وهي تدل على استثنائه من الملائكة.

وقد جاءت آية سورة الكهف مصرحة بأن إبليس من الجن، قال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا [الكهف: ٥٠].

وإزاء هذه الآيات فقد انقسم العلماء في هذه المسألة إلى فريقين:

الفريق الأول: ويرى أن إبليس من الملائكة، والاستثناء الوارد في الآيات إنما هو استثناء متصل.

قال القرطبي: (وهو قول جمهور العلماء كابن عباس, وابن مسعود, وابن جريج, وسعيد بن المسيب, وقتادة وغيرهم، وهو اختيار الشيخ أبي الحسن الأشعري, والشيخ موفق الدين بن قدامة, وأئمة المالكية، ورجحه الطبري)، وقال البغوي: (هذا قول أكثر المفسرين (١) وهو ظاهر قوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ [ص: ٧٤]).

٢ - الفريق الثاني: ويرى أن إبليس لم يكن من الملائكة وإنما هو من الجن، والاستثناء في الآيات إنما هو استثناء منقطع.

والقائلون بهذا: ابن عباس في رواية، والحسن البصري، واختاره الزمخشري, وأبو البقاء العكبري, والكواشي في تفسيره، وذكره الفخر الرازي عن بعض المتكلمين كالمعتزلة، وغيرهم من العلماء، ورجحه الشيخ الشنقيطي وغيره.

أدلة الفريقين:

وقد انتصر كل من الفريقين لقوله بعدة أدلة، وإليك تفصيل أدلة كل فريق:

أ- أدلة الفريق الأول:

اعتمد هذا الفريق فيما ذهب إليه على أن الاستثناء في قوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ [ص: ٧٤]. إنما هو استثناء متصل، وقد تكرر هذا الاستثناء في القرآن الكريم، فإخراج إبليس بالاستثناء من لفظ الملائكة دليل على أنه منهم، وذكر بعضهم أن الظاهر إذا كثرت صارت بمنزلة النص، ومن المعلوم أن الأصل في الاستثناء الاتصال لا الانقطاع (٢) قال الطبري: (ثم استثنى من جميع الملائكة إبليس، فدل باستثنائه إياه منهم على أنه منهم، وأنه ممن قد أمر بالسجود معهم، ثم استثناه جل ثناؤه مما أخبر عن الملائكة أنهم فعلوه من السجود لآدم، فأخرجه من الصفة التي وصفهم بها من الطاعة لأمره، ونفى عنه ما أثبته لملائكته من السجود لعبده آدم) (٣).

وأما بالنسبة لقوله تعالى في سورة الكهف: إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف: ٥٠]. فقد أجاب الجمهور عنه بما يلي:


(١) ((تفسير البغوي)) (١/ ٨١).
(٢) ((أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن)) (٤/ ١٢٠).
(٣) ((تفسير الطبري)) (١/ ٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>