للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثالث: الاستثناء في الإسلام]

أي: قول الإنسان (أنا مسلم إن شاء الله).

فجمهور أهل السنة والجماعة؛ لا يرون الاستثناء في الإسلام كما يرونه في الإيمان؛ لأن الإسلام غير الإيمان كما علمنا سابقاً.

فالإيمان درجات، والناس فيه طبقات: منهم المحسن، ومنهم المؤمن، ومنهم المسلم؛ فالإسلام هو أقل هذه الدرجات، وليس وراءه إلا الكفر؛ فمن لم يكن مسلماً كان كافراً، وأما من لم يكن مؤمناً فقد يكون مسلماً، لأن من نطق بالشهادتين أصبح مسلماً، وتميز عن غيره من الكفار، فتجري عليه أحكام الإسلام.

فقد دلت النصوص الشرعية على جواز القول: (أنا مسلم) بدون استثناء؛ كما في قول الله تعالى:

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت: ٣٣].

وقوله: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الحجرات: ١٤].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عن هذه الآية: (وهذه الآية مما احتج بها أحمد بن حنبل وغيره على أنه يُستثنى في الإيمان دون الإسلام، وأن أصحاب الكبائر يخرجون من الإيمان إلى الإسلام. قال الميموني: سألت أحمد بن حنبل عن رأيه في أنا مؤمن إن شاء الله؟ فقال: أقول: مؤمن إن شاء الله، وأقول: مسلم ولا أستثني. (١) قال: قلت لأحمد: تفرق بين الإسلام والإيمان؟ فقال لي: نعم. فقلت له: بأي شيء تحتج؟ قال لي: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات: ١٤]) (٢). الإيمان حقيقته خوارمه نواقضه عند أهل السنة عبدالله بن عبدالحميد الأثري - ص١٠٩

فمن دخل في هذا الدين ونطق بالشهادتين فهو المسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، فمثل هذا يقال عنه مسلم، وكل أحد يصح أن يعبر عن نفسه بذلك بدون أن يستثني كما أرشد لذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سعد، وكما أرشد إلى ذلك الأعراب ...

وبهذا يعلم أن الصحيح في مسألة حكم الاستثناء في الإسلام أن يقال: مسلم بدون استثناء، وهذا هو المشهور عن سلف الأمة في هذه المسألة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والمشهور عند أهل الحديث أنه لا يستثنى في الإسلام، وهو المشهور عن أحمد رضي الله عنه، وقد روي عنه في الاستثناء) (٣).

... وإنما كان السلف لا يستثنون في الإسلام لأسباب أهمها أمران:

الأول: ورد ما يرشد إلى ذلك في نصوص الشرع المطهر، كما في آية الحجرات، وحديث سعد وقد تقدما، وكما في قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت: ٣٣].

فهذه النصوص فيها إشارة إلى جواز قول: مسلم بدون استثناء، وآية الحجرات واضحة صريحة في الدلالة على ذلك، ولهذا احتج بها على ذلك غير واحد من أهل العلم ...

الأمر الثاني: أن كل من نطق بالشهادتين صار بذلك مسلماً له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ويكون متميزاً عن اليهود والنصارى تجري عليه أحكام الشرع الجارية على المسلمين، وهذا القدر كل أحد يجزم به بلا استثناء في ذلك.


(١) رواه الخلال في ((السنة)) (٣/ ٦٠٤).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٢٥٣)، وانظر: ((تعظيم قدر الصلاة)) للمروزي (٢/ ٥٢٨).
(٣) ((الفتاوى)) (٧/ ٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>