للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: حكم من اعتقد هذا الاعتقاد]

هذا الاعتقاد يناقض الشريعة من وجوه كثيرة أشرنا إليها، ولذلك شدد الأئمة في كلامهم على من يعتقد مثل هذا الاعتقاد، وسأنقل بعض كلامهم فيمن يعتقد ذلك:

١ - قال القاضي عياض رحمه الله: أجمع المسلمون على تكفير من قال من الخوارج: إن الصلاة طرفي النهار، ... وقول بعض المتصوفة: إن العبادة وطول المجاهدة إذا صفت نفوسهم أفضت بهم إلى إسقاطها، وإباحة كل شيءٍ لهم، ورفع عهد الشرائع عنهم (١).

٢ - وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ومن اعتقد لأحدٍ طريقاً إلى الله غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم، أو لا يجب عليه اتباعه، أو أن لغيره خروجاً عن اتباعه، أو قال: أنا محتاج إليه في علم الظاهر دون علم الباطن، أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، أو قال: إن من العلماء من يسعه الخروج عن شريعته كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى كفر في هذا كله (٢).

٣ - وتكلم شيخ الإسلام عن كفر هؤلاء في مواضع كثيرة نختار بعضاً منها:

أ- قال رحمه الله: ... فمن لم يؤمن بأن هذا رسول الله إلى جميع العالمين، وأنه يجب على جميع الخلق متابعته، وأن الحلال ما أحله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، فهو كافر مثل هؤلاء المنافقين ونحوهم ممن يجوز الخروج عن دينه وشريعته وطاعته، إما عموماً وإماً خصوصاً ... ويعتقدون مع هذا أنهم من أولياء الله، وأن الخروج عن الشريعة المحمدية سائغ لهم، وكل هذا ضلال وباطل ... (٣).

ب- وقال أيضاً: (ومن فضّل أحداً من المشايخ على النبي صلى الله عليه وسلم، أو اعتقد أن أحداً يستغني عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، استتيب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، وكذلك من اعتقد أن أحداً من أولياء الله يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم كما كان الخضر مع موسى عليه السلام، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه (٤).

جـ- وقال رحمه الله: (فمن كان من قوله هو أنه أو طائفة غيره قد خرجت عن كل أمر ونهي، بحيث لا يجب عليها شيء، ولا يحرم عليها شيء، فهؤلاء أكفر أهل الأرض، وهم من جنس فرعون وذويه) (٥).

د- وأجاب حينما سُئل عمن يقول: إن غاية التحقيق، وكمال سلوك الطريق، ترك التكليف، وإن العبد يعمل حتى تحصل له المعرفة، فإذا حصلت زال عنه التكليف؟ قال: (ومن قال هذا فإنه كافر باتفاق أئمة الإسلام فإنهم متفقون على أن الأمر والنهي جارٍ على كل بالغ عاقل إلى أن يموت ... ) (٦).

٤ - قال الإمام ملا قاري: ذهب بعض أهل الإباحة إلى أن العبد إذا بلغ غاية المحبة، وصفا قلبه من الغفلة، واختار الإيمان على الكفر سقط عنه الأمر والنهي، ولا يدخله الله النار بارتكاب الكبائر، وذهب بعضهم إلى أنه سقط عنه العبادات الظاهرة، وتكون عباداته التفكر وتحسين الأخلاق الباطنة، ... وهذا كفر وزندقة وضلال وجهالة (٧).

٥ - وعدّ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، هذا المعتقد من نواقض الإسلام، حيث قال: من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباعه صلى الله عليه وسلم، وأنه يسعه الخروج من شريعته كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى عليهما السلام فهو كافر) (٨) نواقض الإيمان الاعتقادية لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي - ٢/ ٨٢


(١) ((الشفا)) (٢/ ١٠٧٤).
(٢) ((الإقناع مع شرحه كشاف القناع)) (٦/ ١٧١).
(٣) ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (ص: ٤٤، ٤٥).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ٤٢٢)، وانظر كلاماً مشابهاً للقسطلاني في ((الحذر في أمر الخضر)) (ص: ١٤٥، ١٤٦).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (١١/ ٤٠٢).
(٦) ((مجموع الفتاوى)) (١١/ ٥٣٩).
(٧) ((شرح الفقه الأكبر)) (ص١٨٣).
(٨) ((الرسائل الشخصية)) (ص٢١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>