للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: الفرق بين الرسول والنبي]

لا يصحُّ قول من ذهب إلى أنه لا فرق بين الرسول والنبي، ويدلُّ على بطلان هذا القول ما ورد في عدة الأنبياء والرسل، فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ عدة الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، وعدَّة الرسل ثلاثمائة وبضعة عشر رسولاً (١)، ويدلّ على الفرق أيضاً ما ورد في كتاب الله من عطف النبي على الرسول وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ وَلاَ نَبِيّ إِلاّ إِذَا تَمَنّىَ أَلْقَى الشّيْطَانُ فِيَ أُمْنِيّتِهِ [الحج: ٥٢]، ووصف بعض رسله بالنبوة والرسالة مما يدُل على أن الرسالة أمر زائد على النبوة، كقوله في حقِّ موسى عليه السلام: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً [مريم: ٥١].

والشائع عند العلماء أنَّ النبي أعم من الرسول، فالرسول هو من أُوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه، والنبي من أوحي إليه ولم يؤمر بالبلاغ، وعلى ذلك فكلُّ رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً (٢).

وهذا الذي ذكروه هنا بعيد لأمور:

الأول: أن الله نصَّ على أنه أرسل الأنبياء كما أرسل الرسل في قوله: وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ وَلاَ نَبِيّ ... [الحج: ٥٢]، فإذا كان الفارق بينهما هو الأمر بالبلاغ فالإرسال يقتضي من النبي البلاغ.

الثاني: أنَّ ترك البلاغ كتمان لوحي الله تعالى، والله لا ينزل وحيه ليكتم ويدفن في صدر واحد من الناس، ثمَّ يموت هذا العلم بموته.

الثالث: قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ابن عباس: ((عرضت عليَّ الأمم، فجعل يمرُّ النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد)) (٣).

فدلّ هذا على أنَّ الأنبياء مأمورون بالبلاغ، وأنَّهم يتفاوتون في مدى الاستجابة لهم. والتعريف المختار أنَّ (الرسولَ مَنْ أُوحي إليه بشرع جديد، والنبي هو المبعوث لتقرير شرع من قبله) (٤).

وقد ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبيٌّ خلفه نبيٌّ)) كما ثبت في الحديث (٥)، وأنبياء بني إسرائيل كلّهم مبعوثون بشريعة موسى: التوراة وكانوا مأمورين بإبلاغ قومهم وحي الله إليهم أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىَ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ أن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاّ تُقَاتِلُواْ ... [البقرة: ٢٤٦] فالنبي كما يظهر من الآية يُوحَى إليه شيء يوجب على قومه أمراً، وهذا لا يكون إلا مع وجوب التبليغ. واعتبر في هذا بحال داود وسليمان وزكريا ويحي فهؤلاء جميعاً أنبياء، وقد كانوا يقومون بسياسة بني إسرائيل، والحكم بينهم وإبلاغهم الحق، والله أعلم بالصواب. الرسل والرسالات لعمر الأشقر – ص: ١٤


(١) رواه أحمد (٥/ ٢٦٥) (٢٢٣٤٢). من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. والحديث ضعفه ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (٢/ ١٤٠)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ١٦٤): مداره على علي بن يزيد وهو ضعيف.
(٢) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص: ١٦٧)، ((لوامع الأنوار البهية)) (١/ ٤٩).
(٣) رواه البخاري (٥٧٥٢) واللفظ له، ومسلم (٢٢٠).
(٤) ((تفسير الآلوسي)) (٧/ ١٥٧).
(٥) رواه البخاري (٣٤٥٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>