للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سبع وخمسون: الآثار الإيمانية لاسم الله المجيد]

١ - قال الأزهري: الله تعالى هو (المجيد) تمجد بفعاله، ومجده خلقه لعظمته (١).

فالله سبحانه له المجد العلي العظيم، بفعاله العظيمة وصفاته العلية وبأسمائه الحسنى، فلا مجد إلا مجده، ولا عظمة إلا عظمته، وكل مجد لغيره إنما هو منه عطاء وتفضل.

وفي اقتران (الحميد) مع (المجيد) بيان أنه محمود على مجده وعظمته وكمال صفاته، فليس كل ذي شرف محمود، وكذلك ليس كل محمود يكون ذو شرف.

قال الحليمي: (المجيد) ومعناه: المنيع المحمود، لأن العرب لا تقول لكل محمود مجيداً، ولا لكل منيع مجيداً. أو قد يكون الواحد منيعاً غير محمود، كالمتآمر الخليع الجائر، أو اللص المتحصن ببعض القلاع.

وقد يكون محموداً غير منيع، كأمير السوقة والصابرين من أهل القبلة.

فلما لم يقل لكل واحد منهما مجيد، علمنا أن (المجيد) من جمع بينهما فكان منيعاً لا يرام، وكان في منعته حسن الخصال جميل الفعال، والباري – جل ثناؤه – يجل عن أن يرام وأن يوصل إليه، وهو مع ذلك فحسن مجمل لا يستطيع العبد أن يحصي نعمته، ولو استنفذ فيه مدته، فاستحق اسم المجيد وما هو أعلى منه اهـ (٢).

٢ - إن الله سبحانه عطاؤه واسع، وفضله سابغ، قد شمل المؤمن والكافر، والبر والفاجر، مجد بذلك نفسه في قوله عز وجل وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا [إبراهيم: ٣٤].

٣ - مجد الله تعالى نفسه في كتابه العزيز في آيات كثيرة بل القرآن مليء بتمجيد الله وتعظيمه، وكذا حديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعظم آيات القرآن وسوره هي التي احتوت على ذلك، كآية الكرسي في البقرة، وسورة الفاتحة والإخلاص.

ومن أعظم من يعظم به العبد ربه ويمجده هو تلاوة كتابه، في آناء الليل وأطراف النهار، فإنه لا أحد يحصى الثناء عليه والتمجيد له، هو كما أثنى على نفسه.

ففي الحديث القدسي ((قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي ... )) (٣).

ثم ذكره وتسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله، وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار والدعاء بخيري الدنيا والآخرة.

وهذه الحال هي حال أهل الذكر، من لا يشقى بهم الجليس، من الأنبياء والصديقين، والشهداء والصالحين، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم، قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال فيسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قال تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال فيقول: هل رأوني؟ قال فيقولون: لا والله ما رأوك، قال فيقول: كيف لو رأوني؟ قال يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً ... ، حتى قال تعالى: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال يقول: ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة قال هم الجلساء لا يشقى جليسهم)) (٤).

٤ - سمى الله تبارك وتعالى كتابه بـ (المجيد) في آيتين من كتابه: في قوله تعالى ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق: ١]. وقوله بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ [البروج: ٢١ - ٢٢].


(١) ((اللسان)) (٥/ ٤١٣٨).
(٢) ((المنهاج)) (١/ ١٩٧) ذكره في الأسماء التي تتبع نفي التشبيه عن الله تعالى جده، وكذا البيهقي في ((الأسماء)) (ص: ٥٧).
(٣) رواه مسلم (٣٩٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) رواه البخاري (٦٤٠٨)، ومسلم (٢٦٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>