للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الحب لله فقال تعالى: أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ [التوبة: ٢٤].

وقال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذا أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار)) (١) اهـ (٢).

٣ - حب الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم يقوى بقوة العلم الشرعي، وكلما كان المسلم عالماً بدين الله وأحكامه وشرائعه، عاملاً به، كان حبه أقوى من غيره من الجاهلين، وإن كانت محبة الله سبحانه توجد في الفطر، ولكنها تقوى بالعلم وتخبو وتضعف بالشهوات والشبهات.

قال ابن تيمية رحمه الله: وكذلك حب الله ورسوله حاصل لكل مؤمن، ويظهر ذلك بما إذا خير المؤمن بين أهله وبين الله ورسوله، فإنه يختار الله ورسوله.

والمؤمنون متفاضلون في هذه المحبة، ولكن المنافقون – الذين أظهروا الإسلام ولما يدخل الإيمان في قلوبهم – ليسوا من هؤلاء، وما من مؤمن إلا وهو إذا ذكر له رؤية الله اشتاق إلى ذلك شوقاً لا يكاد يشتاقه إلى شيء.

وقد قال الحسن البصري: لو علم العابدون أنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا (٣).

والحب لله يقوى بسبب قوة المعرفة وسلامة الفطرة، ونقصها من نقص المعرفة ومن خبث الفطرة بالأهواء الفاسدة.

ولا ريب أن النفوس تحب اللذة بالأكل والشرب والنكاح، وقد تشتغل النفوس بأدنى المحبوبين عن أعلاهما، لقوة حاجته العاجلة إليه، كالجائع الشديد الجوع، فإن ألمه بالجوع قد يشغله عن لذة مناجاته لله في الصلاة.

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((لا يصلين أحدكم بحضرة طعام، ولا هو يدافع الأخبثين)) (٤).

وإن كانت الصلاة قرة عين العارفين، والإنسان إنما يشتاق إلى ما يشعر به من المحبوبات، فأما ما لم يشعر به فهو لا يشتاق إليه، وإن كان لو شعر به لكان شوقه إليه أشد من شوقه إلى غيره اهـ (٥). النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمد الحمود– ص: ٤٠٤


(١) رواه البخاري (٤٣)، ومسلم (٤٣). من حديث أنس رضي الله عنه.
(٢) ((درء تعارض العقل والنقل)) (٩/ ٣٧٤ - ٣٧٦).
(٣) رواه عبد الله في ((السنة)) (١/ ٢٦٣) (٢/ ٤٧١)، والآجري في ((الشريعة)) (ص: ٢٥٣).
(٤) رواه مسلم (٥٦٠). من حديث عائشة رضي الله عنه.
(٥) ((درء تعارض العقل والنقل)) (٦/ ٧٢ - ٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>