للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثامن: التفاضل في البرزخ]

والمؤمنون يتفاضلون في البرزخ, وتتفاوت درجاتهم تفاوتاً عظيماً، وأفضلهم درجة في البرزخ الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم, فأرواح الأنبياء في أعلى عليين، في الملأ الأعلى، ويدل على ذلك حديث الإسراء والمعراج المخرج في الصحيحين ... وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم التقى بالأنبياء في السموات على اختلاف منازلهم فيها، وأنه رأى موسى قائماً يصلي, ورأى عيسى قائماً يصلي, ورأى إبراهيم قائماً يصلي, ورأى إبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور (١).

وفي أحاديث الإسراء والمعراج دلالتان:

الأولى: أن الأنبياء أفضل المؤمنين حياة في البرزخ.

الثانية: أن الأنبياء متفاضلون في حياتهم البرزخية.

وقد ورد في الأنبياء قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء)) (٢)

ومن تفاضل المؤمنين في البرزخ ما ثبت في فضل الشهداء من قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن قوله تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: ١٦٩].

فقال صلى الله عليه وسلم: ((أرواحهم في جوف طير خضر. لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت. ثم تأوي إلى تلك القناديل. فاطلع إليهم ربهم اطلاعة. فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات. فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب, نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا)) (٣).

وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة)) (٤).

فالشهيد اختص بحياة في البرزخ امتاز بها عن غيره من المؤمنين، قال شارح الطحاوية في الشهداء: (فنصيبهم من النعيم في البرزخ أكمل من نصيب غيرهم من الأموات على فرشهم, وإن كان الميت أعلى درجة منهم، فلهم نعيم يختص به لا يشاركه فيه من هو دونه) (٥). إلا الشهيد يتساوى مع بقية المؤمنين في المؤاخذة بالدين, وإن كان يمتاز في سوى ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: ((يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين)) (٦).


(١) رواه مسلم (١٦٢). من حديث أنس رضي الله عنه.
(٢) رواه أبو داود (١٠٤٧)، والنسائي (٣/ ٩١)، وابن ماجه (١٦٣٦)، وأحمد (٤/ ٨) (١٦٢٠٧)، وابن حبان (٣/ ١٩٠)، والحاكم (١/ ٤١٣). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال النووي في ((المجموع)) (٤/ ٥٤٨): إسناده صحيح. وحسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (٢/ ٩٤) - كما أشار لذلك في المقدمة -. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٣) رواه مسلم (١٨٨٧).
(٤) رواه البخاري (٢٨١٧)، ومسلم (١٨٧٧).
(٥) ((شرح الطحاوية)) (٣٩٦).
(٦) رواه مسلم (١٨٨٦). من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>