للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رابع عشر: الآثار الإيمانية لاسم الله القوي]

أن المؤمن عندما يعلم أن من أوصافه تعالى القوة والقدرة على كل شيء فإنه يدرك تماماً أنه لا قوة له على طاعة الله تعالى إلا بتوفيقه وقوته وعونه، وأنه لا حول له على اجتناب المعاصي ودفع الشرور عن نفسه إلا بعون من الله، ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمات هي من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله)) (١). قال النووي: قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى، واعتراف بالإذعان له، وأنه لا صانع غيره، ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك شيئاً من الأمر، ثم قال: قال أهل اللغة: (الحول) الحركة والحيلة أي: لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله تعالى، وقيل معناه: لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا الله. وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، وحكي هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه، وكله متقارب (٢).

وكما قيل:

إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأكثر ما يجني عليه اجتهاده (٣)

قال الإمام ابن القيم: ولو اجتمعت قوى الخلائق على شخص واحد منهم ثم أعطي كل واحد منهم مثل تلك القوة لكانت نسبتها إلى قوته سبحانه دون نسبة قوة البعوضة إلى حملة العرش، ولو كان جودهم على جود رجل واحد، وكل الخلائق على ذلك الجود لكانت نسبته إلى جوده دون نسبة قطرة إلى البحر، وكذلك علم الخلائق إذا نسب إلى علمه كان كنقرة عصفور من البحر، وكذلك سائر صفاته كحياته وسمعه وبصره وإرادته (٤). منهج الإمام ابن قيم الجوزية في شرح أسماء الله الحسنى لمشرف بن علي بن عبد الله الحمراني الغامدي – ص: ٣٩٢


(١) رواه البخاري (٦٦١٠)، ومسلم (٢٧٠٤). من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(٢) ((شرح النووي على مسلم)) (١٧/ ٢٦).
(٣) ((ديوان علي بن أبي طالب رضي الله عنه)) (ص: ٥٦).
(٤) ((شفاء العليل)) (ص: ٢٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>