للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: كلمة (الأعراض)]

هذا اللفظ من الألفاظ المجملة التي يطلقها أهل الكلام ومن أقوالهم في ذلك: (نحن ننزه الله تعالى من الأعراض والأغراض، والأبعاض، والحدود، والجهات).

ويقولون: (سبحان من تنزه عن الأعراض, والأغراض, والأبعاض).

أ- تعريف الأعراض في اللغة: الأعراض جمع عرض، والعرض هو ما لا ثبات له.

أو هو: ما ليس بلازم للشيء.

أو هو: ما لا يمتنع انفكاكه عن الشيء (١).

ومن الأمثلة على ذلك: الفرح بالنسبة للإنسان فهو عرض؛ لأنه لا ثبات له، بل هو عارض يعرض ويزول.

وكذلك الغضب، والرضا.

ب- العرض في اصطلاح المتكلمين: قال الفيومي: (العرض عند المتكلمين ما لا يقوم بنفسه، ولا يوجد إلا في محل يقوم به) (٢).

وقال الراغب الأصفهاني: (والعرض ما لا يكون له ثبات، ومنه استعار المتكلمون العرض لما لا ثبات له إلا بالجوهر كاللون والطعم) (٣).

ج- مراد المتكلمين من قولهم: (إن الله منزه عن الأعراض): مرادهم من ذلك نفي الصفات عن الله تعالى, لأن الأعراض عندهم هي الصفات.

د- شبهتهم في ذلك: يقولون: لأن الأعراض لا تقوم إلا بالأجسام، والأجسام متماثلة؛ فإثبات الصفات يعني أن الله جسم، والله منزه عن ذلك.

وبناء عليه نقول بنفي الصفات؛ لأنه يترتب على إثباتها التجسيم، وهو وصف الله بأنه جسم، والتجسيم تمثيل، وهذا كفر وضلال، فهذه هي شبهة المتكلمين.

هـ- الرد على أهل الكلام في هذه المسألة: الرد عليهم من وجوه:

١ - أن لفظ (الأعراض) لم ترد في الكتاب, ولا في السنة, لا نفياً ولا إثباتاً، ولم ترد كذلك عن سلف الأمة.

وطريقة أهل السنة المعهودة في مثل هذه الألفاظ التوقف في اللفظ، فلا نثبت الأعراض، ولا ننفيها.

أما معناها فيستفصل عن مرادهم في ذلك ويقال لهم: إن أردتم بالأعراض ما يقتضي نقصاً في حق الله تعالى كالحزن، والندم، والمرض، والخوف، فإن المعنى صحيح، والله منزه عن ذلك؛ لأنه نقص، لا لأنها أعراض.

وإن أردتم نفي ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات كالغضب، والفرح، والرضا، ونحوها بحجة أنها أعراض – فإن ذلك باطل مردود، ولا يلزم من إثباتها أي لازم.

٢ - أن الصفات الربانية ليست كلها أعراض، بل إن بعضها أعراض كالفرح، والغضب، وبعضها ليست أعراضاً، كبعض الصفات الذاتية كاليد، والوجه، والقدم، والساق؛ فهذه ليست أعراضاً، بل لازمة للذات لا تنفك عنها.

٣ - أن قولكم: (إن الأعراض لا تقوم إلا بجسم) قول باطل؛ فالأعراض قد تقوم بغير الجسم كما يقال: ليل طويل، فقولنا: طويل، وصف لـ: ليل، والليل ليس بجسم، ومثل ذلك: حر شديد، ومرض مؤلم، وبرد قارس.

٤ - أن القول بتماثل الأجسام قول باطل؛ فالأجسام غير متماثلة لا بالذوات ولا بالصفات، ولا بالحدوث؛ ففي الحجم تختلف الذرة عن الجمل، وفي الوزن يختلف جسم القيراط عن جسم القنطار، وفي الملمس يختلف الخشن عن الناعم، واللين عن القاسي، وهكذا.

٥ - أن لفظ الجسم من إحداث المتكلمين، وهذا اللفظ كقاعدة الألفاظ المجملة؛ فإن كان إثبات الصفات يلزم منه أن يكون جسماً في مفهومك فليس ذلك يضيرنا.

لكن إن أردت بالجسم الشيء القائم بنفسه المتصف بما يليق به فهذا حق لأننا نؤمن بأن لله ذاتاً موصوفة بالصفات اللائقة بها.

فإن أردت بالجسم هذا المعنى فيصح.

وإن أردت بالجسم الشيء المكون من أعضاء، ولحم ودم, المفتقر بعضه إلى بعض وما أشبه ذلك فباطل غير صحيح؛ لأنه يلزم أن يكون الله حادثاً أو محدثاً. وهذا أمر مستحيل، على أننا لا نوافق على إثبات الجسم، ولا نفيه؛ لأنه يحتمل حقاً وباطلاً. رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد– ص: ٢٢٥


(١) انظر ((التعريفات)) للجرجاني (ص: ١٥٣ - ١٥٤).
(٢) ((المصباح المنير)) للفيومي (ص: ٢٠٩).
(٣) ((معجم مفردات ألفاظ القرآن)) للراغب الأصفهاني (ص: ٣٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>