للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثاني: نقول عن أهل العلم في بيان منزلة عمل الجوارح وحكم تاركه]

ليس الغرض هنا نقل كلام السلف والأئمة في أن العمل من الإيمان، فهذا أمر معلوم بيّن، لكن المراد حكاية أقوالهم في ارتباط القول بالعمل، وأنه لا يصح القول ولا ينفع ولا يستقيم ولا يقبل إلا بالعمل، وحكاية أقوالهم في ارتباط عمل القلب بعمل الجوارح، وأنه لا يتصور وجود الإيمان الباطن مع تخلف العمل الظاهر، وحكاية ما هو أصرح من ذلك، من تكفير تارك العمل بالكلية، والجزم بردته، وخلو قلبه من الإيمان الصحيح.

والمراد أيضا: إظهار أن القول بعدم صحة الإيمان عند تخلف عمل الجوارح بالكلية، أمرٌ مستقر عند أهل السنة، بيّنه الأئمة سلفا وخلفا، لم يكن بينهم نزاع في ذلك، حتى جاء من دخلت عليه شبهة المرجئة، فزعم أن العمل كمالي في الإيمان، وأن تاركه بالكلية مسلم تحت المشيئة، وهذا ما تلقفوه عن أهل الكلام المذموم من الأشعرية وغيرهم، ثم نسبوه إلى السلف وأهل السنة جهلا وافتراء، وغلا بعضهم حتى زعم أن القول بكفر تارك العمل- كلِّه- هو قول الخوارج والمعتزلة، لا قول أهل السنة، ولهذا رأيت من اللازم نقل كلام الأئمة، من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، إلى زمننا هذا، نصحا للأمة، ودرءا للفتنة عن ناشئة أهل السنة، تبصيراً للجاهل، وتثبيتاً للعالم، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

١ - علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

قال رضي الله عنه: لا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل إلا بقول، ولا قول وعمل إلا بنية، ولا نية إلا بموافقة السنة (١).

٢ - عبدالله بن مسعود رضي الله عنه

وقد قال بنفس ما قاله علي رضي الله عنه (٢).

٣ - سعيد بن جبير، ت: ٩٥هـ

قال: (لا يقبل قول إلا بعمل، ولا يقبل عمل إلا بقول، ولا يقبل قول وعمل إلا بنية، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بنية موافقة للسنة) (٣).

٤ - الحسن البصري، ت: ١١٠هـ

قال: (الإيمان قول، ولا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بسنة) (٤).

٥ - الأوزاعي، ت: ١٥٧هـ

قال: (أدركت من أدركت من صدر هذه الأمة، ولا يفرقون بين الإيمان والعمل، ولا يعدون الذنوب كفرا ولا شركا.

وقال: الإيمان والعمل كهاتين، وقال بإصبعيه، لا إيمان إلا بعمل، ولا عمل إلا بإيمان) (٥).

وقال: (لا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة. وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، والعمل من الإيمان، والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع هذه الأديان اسمها، ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها. ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله لم يقبل منه وكان في الآخرة من الخاسرين) (٦).

وقال الوليد بن مسلم: (سمعت الأوزاعي ومالك بن أنس وسعيد بن عبد العزيز ينكرون قول من يقول: إن الإيمان قول بلا عمل، ويقولون: لا إيمان إلا بعمل، ولا عمل إلا بإيمان) (٧).

٦ - سفيان الثوري، ت: ١٦١هـ


(١) رواه ابن بطة في ((الإبانة)) (٢/ ٨٠٣).
(٢) ((الإبانة)) (٢/ ٨٠٣).
(٣) رواه اللالكائي (١/ ٦٤).
(٤) رواه ابن بطة (٢/ ٨٠٣)، واللالكائي (١/ ٦٤).
(٥) رواه حرب الكرماني في ((مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية)) (ص٣٦٨).
(٦) رواه ابن بطة (٢/ ٨٠٧)، ونقله شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٢٩٦) وعلق عليه بقوله: (وهذا معروف عن غير واحد من السلف والخلف أنهم يجعلون العمل مصدقا للقول).
(٧) رواه اللالكائي (٤/ ٩٣١) رقم (١٥٨٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>