للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: التفاضل بين الأنبياء والرسل]

يقول ابن كثير: (لا خلاف أن الرسول أفضل من بقية الأنبياء) (١). وقال السفاريني: (الرسول أفضل من النبي إجماعاً لتميزه بالرسالة التي هي أفضل من النبوة) (٢).

وقد بدأ الله بذكر الرسول قبل النبي في قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحج: ٥٢]. وقدم سبحانه الوصف بالرسالة على الوصف بالنبوة في قوله في كل من موسى وإسماعيل عليهما السلام: وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا [مريم: ٥١]. فلعل في هذه دلالة على فضل الرسول على النبي، إذا الترتيب كان قاضيا بتقديم النبي على الرسول، لأن النبوة تكون أولاً ثم الرسالة، ففي تقديمها على النبوة إفادة معنى. ودلل الماوردي على فضل الرسول فقال: (الرسول أعلى منزلة من النبي ولذلك سميت الملائكة رسلاً ولم يسموا أنبياء) (٣). ولكن هذا الاستدلال على القول بتفضيل الملائكة على الأنبياء وهو مرجوح. كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

ومن أوجه فضل الرسل على الأنبياء:

أن الرسالة في أصلها قدر زائد على النبوة فهي نبوة وزيادة، فالرسل ساووا الأنبياء في النبوة، وفضلوا عليهم بالرسالة – صلوات الله وسلامه على الجميع-، يقول القرطبي: (معلوم أن من أرسل أفضل ممن لم يرسل، فإن من أرسل فضل على غيره في الرسالة واستووا في النبوة).

قال: (إلى ما يلقاه الرسل من تكذيب أممهم وقتلهم إياهم وهذا مما لا خفاء فيه) (٤). وفي قول القرطبي هذا وجه آخر من وجوه فضل الرسول على النبي وهو ما يلقاه الرسل دون الأنبياء من المنازعة مع أقوامهم، وذكر ابن القيم طبقات المكلفين فجعل الطبقة الأولى مرتبة أولي العزم من الرسل ثم الطبقة الثانية من عداهم من الرسل ثم قال: (الطبقة الثالثة الذين لم يرسلوا إلى أممهم وإنما كانت لهم النبوة دون الرسالة فاختصوا بإيحاء الله إليهم, وإرساله ملائكته إليهم، واختصت الرسل عنهم بإرسالهم إلى الأمة بدعوتهم إلى الله بشريعته وأمره واشتركوا في الوحي ونزول الملائكة عليهم) (٥).

ومن وجوه فضل الرسول على النبي: أن الرسالة تثمر هداية الكافرين وإزالة الشرك، أما النبوة فتثمر توجيه المؤمنين وصيانة أحكام الله فيهم، وهذا مستفاد مما ذكر من الفرق بين النبي والرسول أن النبي يبعث في مؤمنين, والرسول في كافرين، ولا شك أن هداية الكافر خير من تعليم المؤمن وفي كل خير، قال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لما أمره بدعوة أهل خيبر إلى الإسلام: ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم)) (٦).


(١) ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٤٧).
(٢) ((لوامع الأنوار البهية)) (١/ ٥٠).
(٣) ((أعلام النبوة)) (٣٨).
(٤) ((تفسير القرطبي)) (٣/ ٢٦٣).
(٥) ((طريق الهجرتين)) (ص: ٣٥٠).
(٦) رواه البخاري (٣٠٠٩)، ومسلم (٢٤٠٦). من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>