[المبحث الثاني: إجماع أهل السنة على أن العمل جزء لا يصح الإيمان إلا به]
وقد حكى هذا الإجماع ونقله غير واحد من أهل السنة، بألفاظ متقاربة، يدل مجموعها على أن الإيمان لا يجزئ من دون عمل الجوارح.
ومن هؤلاء:
١ - الإمام الشافعي، ت: ٢٠٤هـ، حيث قال:(وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر)(١).
(١) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) لللالكائي (٥/ ٩٥٦)، ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٢٠٩). ويرد على كلام الشافعي إشكالان، الأول: أن يقال: إن الشافعي لا يكفر تارك الصلاة، فكيف ينقل هذا الإجماع؟ ويجاب عنه بجوابين، الأول: أن الجزم بأن الشافعي لا يكفر تارك الصلاة، غير صحيح، فإن الطحاوي وهو ابن أخت المزني لم يحك عنه غير القول بالتكفير، وحكى عنه ابن كثير القولين، التكفير وعدمه، انظر تفسيره لقوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ *مريم: ٥٩*. والثاني: أنه لا تلازم بين المسألتين، فتكفير تارك العمل بالكلية، غير تكفير تارك الصلاة، فالقائل بالمسألة الأولى لا يلزم أن يقول بالثانية، فأهل السنة مجمعون على أنه لا يصح الإيمان مع ترك العمل الظاهر بالكلية، وإن اختلفوا في ترك آحاد العمل كالصلاة. والإشكال الثاني: أن يقال: إن العمل الوارد في قول الشافعي: (قول وعمل ونية) يشمل مجموع العملين، عمل القلب وعمل الجوارح. وعنه جوابان أيضا، الأول: أن عمل القلب عبر عنه الشافعي هنا بالنية، فدل على أن المراد بالعمل عمل الجوارح. والثاني: سلمنا أنه يريد العملين معا، فلا يصح الإيمان ولا يجزئ إلا بوجودهما معا، وهذا ما نقول به، فلا بد من اجتماع هذه الأجزاء: القول الظاهر والباطن، والعمل الظاهر والباطن. ثم رأيت من يشكك في صحة النقل عن الشافعي، ويزعم أن اللالكائي ساقه بلا زمام أو خطام! وفاته أن اللالكائي وشيخ الإسلام كليهما ينقل هذا عن الشافعي من كتابه الأم، فأي إسناد يحتاجان إليه؟! قال اللالكائي: (قال الشافعي في كتاب الأم في باب النية في الصلاة: نحتج بأن لا تجزئ صلاة إلا بنية لحديث عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنية)) ثم قال: وكان الإجماع .... فأي توثيق بعد هذا؟! وأما شيخ الإسلام فقد ذكر هذا الإجماع واحتج به في مواضع، منها الموضع المشار إليه سابقا، وقال فيه: (وقال الشافعي في كتاب الأم في باب النية في الصلاة). وقال في (٧/ ٣٠٨): (وحكى غير واحد الإجماع على ذلك، وقد ذكرنا عن الشافعي ما ذكره من الإجماع على ذلك قوله في "الأم": وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ... ). وانظر (٧/ ٥١١). وهذا النص المهم المقرر لمذهب السلف لا يوجد في ((الأم)) المطبوع، لكن هذا لا يضر، بعد ثبوته بقول إمامين كبيرين، رحمهما الله.