للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة الأولى: الأسباب الشرعية لرفض المنطق الأرسطي]

١ - أنه لم يؤثر عن الصدر الأول من الصحابة والتابعين التكلم بالمنطق؛ إما لكونه لم يكن موجوداً في زمانهم، أو كان موجوداً ثم أعرضوا عنه (١) وشريعة الإسلام ليست موقوفة على شيء يتعلم من غير المسلمين أصلاً (٢)، وإن كان طريقاً صحيحاً، فكيف إذا كان فاسداً أو متضمناً للفساد، بل الكفر والإلحاد.

٢ - أن المنطق نشأ في بيئة فلسفية، كان أصحابها أهل شرك وإلحاد، بل ما عند مشركي العرب من الكفر والشرك خير مما عند الفلاسفة (٣). قال ابن تيمية في الفلاسفة: (وضلالهم في الإلهيات ظاهر لأكثر الناس؛ ولهذا كفرهم فيها نظار المسلمين قاطبة) (٤). ولهذا كان أبو القاسم السهلي وغيره يقول: (نعوذ بالله من قياس فلسفي وخيال صوفي) (٥).

فلم يأخذ المسلمون بالمنطق الأرسطي لملابسته العلوم الفلسفية المباينة للعقائد الصحيحة (٦).

٣ - خشية اغترار بعض المسلمين بالمنطق لما يرى من صدق قضاياه، فيظن أنها كلها صادقة، وأن ما يتعلق منها بالعقائد مبرهن بمثل تلك البراهين، يقول الغزالي - في معرض نقده للمنطق في أواخر كتبه - (٧): (وربما ينظر في المنطق – أيضاً – من يستحسنه ويراه واضحاً فيظن أن ما ينقل عنهم من الكفريات مؤيدة بمثل تلك البراهين، فاستعجل بالكفر قبل الانتهاء إلى العلوم الإلهية) ويشير ابن تيمية إلى هذا المعنى في أول كتابه: الرد على المنطقيين (٨)، فيقول: (كنت أحسب أن قضاياه – أي المنطق – صادقة لما رأيت من صدق كثير منها, ثم تبين لي فيما بعد خطأ طائفة من قضاياه ... وتبين لي أن كثيراً مما ذكروه في أصولهم في الإلهيات وفي المنطق هو من أصول فساد قولهم في الإلهيات).

٤ - قصور البرهان الفلسفي عن الوصول بالإنسان إلى اليقين، وذلك عند تطبيقه في الإلهيات؛ يقول الغزالي: (لهم نوع من الظلم في هذا العلم، وهو أنهم يجمعون للبرهان شروطاً يعلم أنها تورث اليقين لا محالة، لكنهم عند الانتهاء إلى المقاصد الدينية ما أمكنهم الوفاء بتلك الشروط، بل تساهلوا غاية التساهل) (٩).

٥ - ما يسببه المنطق الأرسطي من التفرق والاختلاف والتنابذ، ومازال أهله والمشتغلون به على هذه الحال، بل لا تكاد تجد اثنين منهم يتفقان على مسألة، حتى التي يسمونها بديهيات أو يقينيات (١٠). وقد مر قول من قال: (فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت بين علمائها) (١١).

٦ - ما يلزم منه من لوازم فاسدة، تناقض العلم والإيمان, وتفضي إلى أنواع من الجهل, والكفر, والضلال (١٢) ... ومن ذلك:

أ- القول بقدم العالم، وذلك لأن الإله لا يسبق العالم في الوجود الزمني، وإن كان يسبقه في الوجود الفكري، مثلما تسبق المقدمة النتيجة في الوجود الفكري (١٣).

وهذا مما أنكره الغزالي على الفلاسفة وكفرهم به في كتابه: (تهافت الفلاسفة) (١٤).


(١) ((صون المنطق)) (١٤) و ((فتاوى ابن الصلاح)) (٣٥).
(٢) ((الرد على المنطقيين)) (٢٥٨).
(٣) ((الرد على المنطقيين)) (١٠١، ٥٣٥) وما بعدها.
(٤) ((الرد على المنطقيين)) (٢٠٠).
(٥) ((الرد على المنطقيين)) (٤٨٢).
(٦) ((مقدمة ابن خلدون)) (٤٨٣) و ((مناهج البحث للنشار)) ص: ط (التصدير)، و (ص: ٨٧).
(٧) ((المنقذ من الضلال)) (٩٤).
(٨) ((الرد على المنطقيين)) (٣).
(٩) ((المنقذ من الضلال)) (٩٣).
(١٠) ((الرد على المنطقيين)) (٣٣٤) وما بعدها.
(١١) ((صون المنطق)) (٩).
(١٢) ((الرد على المنطقيين)) (١٩٨).
(١٣) انظر: ((الغزو الفكري في المناهج الدراسية)) للأستاذ علي لبن (ص: ٣٢) – دار الوفاء الطبعة الأولى ١٤٠٧هـ-١٩٨٧م – مصر.
(١٤) انظر: (ص: ٨٨) وما بعدها تحقيق: د/ سلميان دنيا دار المعارف الطبعة الرابعة ١٣٨٥هـ-١٩٦٦م – مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>