للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فساد هذا المذهب ما يلزمه من تضمن المخلوقات في الخالق منذ البداية، كتضمن النتيجة في المقدمة منذ البداية، فيكون الخالق مخلوقاً، والمخلوق خالقاً، والصانع مصنوعاً، والمصنوع صانعاً، والعلة معلولاً، والمعلول علة ... إلى غير ذلك من التناقضات (١).

ب- إنكار الصفات الثبوتية لله تعالى، بل يصفونه بالسلوب المحض، أو بما لا يتضمن إلا السلب، ولهذا قالوا: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد؛ لأنه لو صدر عنه اثنان لكان ذلك مخالفاً للوحدة، وبهذا نفوا أن يكون الله فاعلاً مختاراً، فنفوا الصفات عن الله تعالى هروباً من تشبيهه بالنفوس الفلكية أو الإنسانية، ثم شبهوه بالجمادات (٢).

ج- إنكار علم الله تعالى بالجزئيات، وهذا هو المشهور عنهم وهو مما أنكره الغزالي -أيضاً- في كتابه: (التهافت) وغيره (٣)، فالله تعالى عندهم يعلم الأمور الكلية دون أفرادها وجزئياتها، وذلك لأن هذه الجزئيات في تغير وتجدد، فلو تعلق علم الله تعالى بها للزمه التغير والتجدد بتغير المعلوم وتجدده، فيلزم من ذلك التغير في ذات الله تعالى، وهو الواحد الأحد (٤). وهذا تكذيب صريح للقرآن الكريم وصحيح العقل، وفيه فتح لباب الفساد في العالم، والخروج على الشريعة جملة وتفصيلاً، وأعظم منه إساءة الظن برب العالمين.

د- إنكار النبوات: لما رأى الفلاسفة اشتراك النفوس في كثير من الأحوال عادة، جعلوا ذلك أمراً عاماً وكلياً وملزماً لكل النفوس، ورأوا لبعض النفوس قوة حدسية، وتأثيرا في بعض الأمور، وأمورا متخيلة، فلما بلغهم من أمر الأنبياء كالمعجزات, ونزول الوحي, ورؤية الملائكة وغير ذلك، جعلوا ما يحدث للأنبياء على نحو ما يكون لتلك النفوس، فليست النبوة – عندهم – هبة الله، ومنته على بعض عباده، بل هي أمر مكتسب تستعد له النفوس بأنواع الرياضات (٥).

هـ- إنكار الأخبار المتواترة: وذلك أن الأمور المعلومة بالتواتر والتجربة والحدس -عند المناطقة- احتمالية الصدق، ويختص بها من علمها فلا تكون حجة على غيره، كما أن صدقها قاصر على الجزئية التي جربت, أو سمعت, أو شوهدت، فهي جزئية من جهة نفسها، ومن جهة العلم بها؛ وعليه، فما يتواتر عن الأنبياء من أمر المعجزات وغيرها من أحوالهم وشرائعهم لا تقوم به حجة، وهذا من أصول الإلحاد والزندقة، وبناء على هذا يقول من يقول من أهل الإلحاد: هذا لم يتواتر عندي فلا تقوم به الحجة علي. فيقال له: اسمع كما سمع غيرك، وحينئذ يحصل لك العلم. وإنما هذا كقول من يقول: رؤية الهلال أو غيره لا تحصل إلا بالحس، وأنا لم أره، فيقال له: انظر إليه كما نظر غيرك فستراه، إذا كنت لم تصدق المخبرين.

ثم إنه ليس من شرط قيام حجة الله تعالى علم المدعوين بها، ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع القرآن وتدبره مانعاً من قيام الحجة عليهم، وأيضاً، فإن عدم العلم ليس علماً بالعدم، فهم إذا لم يعلموا ذلك لم يكن هذا علماً منهم بعدم ذلك، ولا بعدم علم غيرهم به، بل هم كما قال تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ... [يونس: ٣٩] (٦). منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة لعثمان علي حسن - بتصرف- ٢/ ٦١١


(١) انظر: ((الغزو الفكري)) لعلي لبن (ص: ٣٢).
(٢) انظر: ((الرد على المنطقيين)) (ص: ٢١٤) وما بعدها.
(٣) (ص: ٥٠٦)، وانظر: ((فيصل التفرقة)) للغزالي (ص: ١٩٢).
(٤) انظر: ((الغزو الفكري)) لعلي لبن (ص: ٦٢).
(٥) انظر: ((الرد على المنطقيين)) (ص: ٢٧٧ - ٣٠١ - ٣٠٢ - ٤٧٤ - ٤٧٥).
(٦) انظر: ((الرد على المنطقيين)) (ص: ٩٢) وما بعدها، و ((الغزو الفكري)) (ص: ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>