للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: شبه القائلين بأن الصحابة والتابعين كانوا يؤولون الصفات والرد عليها]

التأويل بالمعنى المبتدع أول من استخدمه كسلاح لتعطيل النصوص هم فرق الابتداع الذين أخذوه بدورهم عن اليهود حيث ذكر القرطبي عند تفسيره لقوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران:٧] , أن جماعة من اليهود منهم حيي بن أخطب دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: بلغنا أنه نزل عليك الم فإن كنت صادقاً في مقالتك فإن ملك أمتك يكون إحدى وسبعين سنة، لأن الألف في حساب الجمل واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون فنزل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران:٧] (١)

ثم جاء عبدالله بن سبأ واتبع منهج من سبقه وبنى بدعته الهدامة على تأويل آي القرآن، حيث قال: (لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمداً يرجع، وقد قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [القصص:٥٨] فمحمد أحق بالرجوع من عيسى)، قال: فقبل ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة ... ) (٢) وتتابعت حلقات المبتدعة، فوجدت في هذا المنهج سلاحاً يخدم أغراضها الخبيثة للي أعناق النصوص لتأييد باطلها, فكانت تلك الانحرافات التي جاء بها الشيعة مبنية على التأويل الباطل للنصوص, وعندما ظهرت المرجئة استخدمت نفس هذا المنهج وكذلك القدرية, والمعتزلة, والخوارج, والجهمية, فأصبح التأويل الباطل مأوى لكل من يريد الخروج على عقيدة الأمة وشريعتها, فهم لم يكتفوا بالتأويل في مسائل العقيدة, وإنما امتدت أيديهم الآثمة لتأويل جميع مسائل الشريعة بقصد تعطيلها وتوهينها في نفوس الناس.

- والتأويل في عرف السلف هو التفسير؛ حيث يقول الإمام الطبري: (إن الصحابة رضوان الله عليهم – كانوا يفهمون معاني القرآن, وتأويله، وتفسيره بما يوافق الطريقة النبوية في الإثبات، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات، لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن (٣) وعنه قال: وله الذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله، إلا أعلم فيما نزلت, وأين نزلت, ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته) (٤).

فالتأويل في لفظ السلف كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (له معنيان: أحدهما تفسير الكلام، وبيان معناه سواء وافق ظاهره، أو خالفه, فيكون التأويل والتفسير عند هؤلاء متقارباً، أو مترادفاً وهذا والله أعلم هو الذي عناه مجاهد أن العلماء يعلمون تأويله ومحمد بن جرير الطبري عندما يقول في تفسيره، القول في تأويل قوله كذا وكذا, واختلف أهل التأويل في هذه الآية ونحو ذلك ومراده التفسير، والمعنى الثاني في لفظ السلف هو نفس المراد بالكلام فإن الكلام إن كان طلباً كان تأويله نفس المطلوب وإن كان خبراً كان تأويله نفس الشيء المخبر به) (٥).


(١) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (٤/ ١٥).
(٢) ((تاريخ الأمم والملوك)) للطبري (٢/ ٦٤٧)، ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ٧٧).
(٣) رواه الطبري في تفسيره (١/ ٤٤).
(٤) ((تفسير الطبري)) (١/ ٣٥ - ٣٦) بتصرف.
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٢٨٨ - ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>