للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب العاشر: قبض العلم وظهور الجهل]

ومن أشراطها قبض العلم, وفشو الجهل، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل)) (١).

وروى البخاري عن شقيق قال: كنت مع عبد الله وأبي موسى فقالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل, ويرفع العلم)) (٢).

وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتقارب الزمان، ويقبض العلم، وتظهر الفتن، ويلقي الشح، ويكثر الهرج)) (٣).

قال ابن بطال: (وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عياناً, فقد نقص العلم, وظهر الجهل, وألقي الشح في القلوب, وعمت الفتن, وكثر القتل) (٤) وعقب على ذلك الحافظ ابن حجر بقوله: (الذي يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله، والمراد من الحديث استحكام ذلك حتى لا يبقى بما يقابله إلا النادر, وإليه الإشارة بالتعبير بقبض العلم, فلا يبقى إلا الجهل الصرف، ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم, لأنهم يكونون حينئذ معمورين في أولئك) (٥).

وقبض العلم يكون بقبض العلماء, ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) (٦).

قال النووي: (هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه ولكن معناه: أن يموت حملته, ويتخذ الناس جهالاً يحكمون بجهالاتهم, فيَضِلُّون ويُضِلِّون) (٧)

والمراد بالعلم هنا علم الكتاب والسنة وهو العلم الموروث عن الأنبياء عليهم السلام, فإن العلماء هم ورثة الأنبياء وبذهابهم يذهب العلم وتموت السنن وتظهر البدع ويعم الجهل، وأما علم الدنيا فإنه في زيادة وليس هو المراد في الأحاديث، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ((فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)). والعلماء الحقيقيون هم الذين يعملون بعلمهم, ويوجهون الأمة ويدلونها على طريق الحق والهدى, فإن العلم بدون عمل لا فائدة فيه, بل يكون وبالاً على صاحبه، وقد جاء في رواية للبخاري ((وينقص العمل)) (٨).

قال الإمام مؤرخ الإسلام الذهبي بعد ذكره لطائفة من العلماء: (وما أوتوا من العلم إلا قليلاً، وأما اليوم فما بقي من العلوم القليلة إلا القليل في أناس قليل ما أقل من يعمل منهم بذلك القليل فحسبنا الله ونعم الوكيل) (٩) وإذا كان هذا في عصر الذهبي فما بالك بزمننا هذا؟ فإنه كلما بعد الزمان من عهد النبوة كلما قل العلم وكثر الجهل, فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلم هذه الأمة ثم التابعين, ثم تابعيهم, وهم خير القرون كما قال صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم)) (١٠).


(١) رواه البخاري (٨٠)، ومسلم (٢٦٧١).
(٢) رواه البخاري (٧٠٦٢).
(٣) رواه مسلم (١٥٧).
(٤) ((شرح صحيح البخاري)) (١٠/ ١٣)، و ((فتح الباري)) (١٣/ ١٦).
(٥) ((فتح الباري)) (١٣/ ١٦).
(٦) رواه البخاري (١٠٠)، ومسلم (٢٦٧٣).
(٧) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١٦/ ٢٢٣).
(٨) رواها البخاري (٦٠٣٧).
(٩) ((تذكرة الحفاظ)) (٣/ ١٠٣١).
(١٠) رواه البخاري (٣٦٥١)، ومسلم (٢٥٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>