ثانياً: حكم السحر
أولاً: السحر ينقسم إلى قسمين:
- شرك، وهو الأول الذي يكون بواسطة الشياطين، يعبدهم ويتقرب إليهم ليسلطهم على المسحور.
- عدوان، وفسق وهو الثاني الذي يكون بواسطة الأدوية والعقاقير ونحوها.
ثانياً: بالتقسيم الذي ذكر نتوصل إلى مسألة مهمة، وهي: هل يكفر الساحر أو لا يكفر؟
اختلف في هذا أهل العلم:
فمنهم من قال: إنه يكفر.
ومنهم من قال: إنه لا يكفر.
ولكن التقسيم السابق الذي ذكرناه يتبين به حكم هذه المسألة، فمن كان سحره بواسطة الشيطان، فإنه يكفر لأنه لا يتأتى ذلك إلا بالشرك غالباً، لقوله تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ... إلى قوله: وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ [البقرة:١٠٢]، وأما قتل الساحر، فإن كان سحره بالأدوية والعقاقير ونحوهما، فلا يكفر، ولكن يعتبر عاصياً معتدياً.
وأما قتل الساحر، فإن كان سحره كفراً، قُتِل قتل ردة، إلا أن يتوب على القول بقبول توبته، وهو الصحيح، وإن كان سحره دون الكفر، قُتِل قتل الصائل، أي: قتل لدفع أذاه وفساده في الأرض، وعلى هذا يرجع في قتله إلى اجتهاد الإمام وظاهر النصوص ... أنه يقتل بكل حال، فالمهم أن السحر يؤثر بلا شك، لكنه لا يؤثر بقلب الأعيان إلى أعيان أخرى، لأنه لا يقدر على ذلك إلا الله ـ عز وجل ـ، وإنما يخيل إلى المسحور أن هذا الشيء انقلب وهذا الشيء تحرك أو مشى وما أشبه ذلك، كما جرى لموسى عليه الصلاة والسلام أمام سحرة آل فرعون، حيث كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ...
قوله: (حد الساحر ضربة بالسيف). حده يعني: عقوبته المحددة شرعاً.
وظاهره أنه لا يكفر، لأن الحدود تطهر المحدود من الإثم.
والكافر إذا قتل على ردته، فالقتل لا يطهره.
وهذا محمول على ما سبق: أن من أقسام السحر ما لا يخرج الإنسان عن الإسلام، وهو ما كان بالأدوية والعقاقير التي توجب الصرف والعطف وما أشبه ذلك.
قوله: (ضربة بالسيف). روي بالتاء بعد الباء، وروي بالهاء، وكلاهما صحيح، لكن الأولى أبلغ، لأن التنكير وصيغة الوحدة يدلان على أنها ضربة قوية قاضية.
وفي (صحيح البخاري) عن بجالة بن عبدة، قال: ((كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة)). قال: ((فقتلنا ثلاث سواحر)) (١).
هذا كناية عن القتل، وليس معناه أن يضرب بالسيف مع ظهره مصفحاً ....
وهذا القتل هل هو حد أم قتله لكفره؟
يحتمل هذا وهذا بناء على التفصيل السابق في كفر الساحر، ولكن بناء على ما سبق من التفصيل نقول: من خرج به السحر إلى الكفر فقتله قتل ردة، ومن لم يخرج به السحر إلى الكفر فقتله من باب دفع الصائل يجب تنفيذه حيث رآه الإمام.
(١) [١٠٦٩١])) رواه أبو داود (٣٠٤٣) , وأحمد (١/ ١٩٠) (١٦٥٧) , وأبو يعلى في ((المسند)) (٢/ ١٦٦) , والشافعي في ((المسند)) (١/ ٣٨٣) , وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٥/ ٥٦٢) , والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (٨/ ١٣٦) , والحديث سكت عنه أبو داود, وقال الشافعي في ((السنن الكبرى للبيهقي)) (٩/ ١٨٩): متصل ثابت, وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٣/ ١٢٣): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)).