للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمهيد]

نصت كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أن الجن مكلفون بالتكاليف الشرعية، وأنهم مأمورون بفعل الطاعات والقيام بالعبادات، وأنهم منهيون عن ارتكاب المعاصي والمحرمات، وأنهم مختارون لهذا الأمر والنهي، وهذا ما عليه جمهور أهل الإسلام. وهم بهذا كالبشر الذين كلفهم الله بالتكاليف الشرعية أمراً ونهياً (١).

وذهب قوم إلى أن الجن مضطرون، أي أنهم غير قادرين على فعل الطاعات أو ارتكاب المنهيات، وعلى هذا الأساس فهم غير مكلفين، وهذا يقتضي عدم الجزاء بالثواب على فعل الطاعات، وعدم الجزاء بالعقاب على ارتكاب المنهيات (٢).

وقد نقل القاضي عبد الجبار الهمداني هذا القول عن زرقان الذي حكاه عن بعض الحشوية على ما ذكره ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (٣).

والصواب الذي لا ريب فيه أن الجن مكلفون أمراً ونهياً، مختارون لهذا التكليف، قال ابن القيم: (الصواب الذي عليه جمهور أهل الإسلام أنهم مأمورون منهيون، مكلفون بالشريعة الإسلامية، وأدلة القرآن والسنة على ذلك أكثر من أن تحصر، وإضافة القول إلى المعتزلة بتكليفهم، بمنزلة أن يقال: ذهب المعتزلة إلى القول بمعاد الأبدان، ونحو ذلك مما هو من أقوال سائر أهل الإسلام) (٤). وقال الإمام القرطبي: (إن سورة الرحمن, والأحقاف, وقل أوحي دليل على أن الجن مخاطبون مكلفون، مأمورون منهيون، معاقبون كالإنس سواء بسواء، مؤمنهم كمؤمنهم، وكافرهم ككافرهم، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك) (٥). وقال الفخر الرازي: (وأطبق المحققون على أن الجن مكلفون) (٦). ونقل مثل هذا القول ابن حجر العسقلاني عن القاضي عبد الجبار الهمداني (٧) , ورجح القاضي عبد الجبار قول الجماعة بعد أن ذكر عن بعض الحشوية قولهم: بأن الجن مضطرون إلى أفعالهم وليسوا مكلفين، ثم قال: (والدليل للجماعة ما في القرآن من ذم الشياطين والتحرز من شرهم، وما أعد لهم من العذاب، وهذه الخصال لا تكون إلا لمن خالف الأمر وارتكب النهي، مع تمكنه من أن لا يفعل، والآيات والأخبار الدالة على تكليفهم كثيرة جداً) (٨). عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة لعبد الكريم عبيدات – ص: ١٧٥


(١) ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (ص: ٤١٨) بتصرف، ((تفسير القرطبي)) (١٧/ ١٦٩).
(٢) ((آكام المرجان في أحكام الجان)) (ص: ٣٤).
(٣) ((فتح الباري)) (٦/ ٣٤٤).
(٤) ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (ص: ٤١٨) بتصرف، ((مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين)) (٢/ ١٢٧).
(٥) ((تفسير القرطبي)) (١٧/ ١٦٩).
(٦) ((التفسير الكبير)) (٢٨/ ٣١٣).
(٧) ((فتح الباري)) (٦/ ٣٤٤).
(٨) ((فتح الباري)) (٦/ ٣٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>