للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[- الخداع لمن خادعه]

الخداعُ صفةٌ من صفات الله عَزَّ وجَلَّ الفعليَّة الخبريَّة الثابتة بالكتاب والسنة، ولكنه لا يوصف بها على سبيل الإطلاق، إنما يوصف بها حين تكون مَدْحاً.

الدليل من الكتاب:

قول الله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: ١٤٢].

الدليل من السنة:

حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه، ((أنَّ أم كلثوم بنت عقبة كانت عنده، فقالت له وهي حامل: طيِّب نفسي بتطليقة فطلقها تطليقة، ثم خرج إلى الصلاة، فرجع وقد وضعت، فقال: ما لها خدعتني خدعها الله؟! ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سبق الكتاب أجله، اخطبها إلى نفسها)) (١).

قال ابن القيم في (إعلام الموقعين) بعد أنَّ ذكر آيات في صفة (الكيد) و (المكر): قيل: إنَّ تسمية ذلك مكراً وكيداً واستهزاءً وخداعاً من باب الاستعارة ومجاز المقابلة؛ نحو: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:٤٠]، ونحو قوله: فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:١٩٤]، وقيل -وهو أصوب-: بل تسميته بذلك حقيقة على بابه؛ فإنَّ المكر إيصال الشيء إلى الغير بطريق خفي، وكذلك الكيد والمخادعة اهـ (٢).

قلت: قوله عن القول الثاني: وهو أصوب: قد يوهم أنَّ الأول صواب، والحق أنَّ القول الأول باطل مخالف لطريقة السلف في الصفات، وانظر كلامه رحمه الله في (مختصر الصواعق المرسلة) (٣).

وقال الشيخ عبد العزيز بن بار معقباً على الحافظ ابن حجر لَمَّا تأوَّل صفةً من صفات الله: هذا خطأ لا يليق من الشارح، والصواب إثبات وصف الله بذلك حقيقة على الوجه اللائق به سبحانه كسائر الصفات، وهو سبحانه يجازي العامل بمثل عمله، فمن مكر؛ مكر الله به، ومن خادع؛ خادعه، وهكذا من أوعى؛ أوعى الله عليه، وهذا قول أهل السنة والجماعة؛ فالزمه؛ تفز بالنجاة والسلامة، والله الموفق اهـ (٤).

وسئل الشيخ العثيمين -رحمه الله- في (المجموع الثمين): هل يوصف الله بالخيانة والخداع كما قال الله تعالى: يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ فأجاب بقوله: أما الخيانة؛ فلا يوصف الله بها أبداً؛ لأنها ذم بكل حال؛ إذ إنها مكر في موضع الائتمان، وهو مذموم؛ قال الله تعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ [الأنفال: ٧١]، ولم يقل: فخانهم وأما الخداع؛ فهو كالمكر، يوصف الله تعالى به حين يكون مدحاً، ولا يوصف به على سبيل الإطلاق؛ قال الله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: ١٤٢] اهـ (٥)

وانظر كلام ابن جرير الطبري في صفة (الاستهزاء)؛ فإنه مهم، وكلام الشيخ محمد بن إبراهيم في صفة (الملل). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص١٢٩


(١) رواه ابن ماجه (٢٠٢٦)، والبيهقي (٧/ ٤٢١). قال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (٢/ ١٢٤): هذا إسنادٌ رجاله ثقات إلا أنه منقطع، ميمون بن مهران أبو أيوب روايته عن الزبير مرسلة قاله المزي في ((التهذيب)). قال الشوكاني في ((الدراري المضية)) (٢٣٥): رجال إسناده رجال الصحيح إلا محمد بن عمر بن هياج وهو صدوق لا بأس به. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٢) ((إعلام الموقعين)) (٣/ ٢٢٩)
(٣) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (٢/ ٣٣ - ٣٤).
(٤) ((فتح الباري)) (٣/ ٣٠٠).
(٥) ((المجموع الثمين)) (٢/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>