للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رابعا: الآثار الإيمانية لاسم الله المحسن]

إن الله يحب من خلقه التعبد بمعاني أسمائه وصفاته، فهو جميل يحب الجمال، محسن يحب الإحسان، ولذا كتب الإحسان على كل شيء.

عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله محسن يحب الإحسان، فإذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قلتم فأحسنوا)) (١).

وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتين أنه قال: ((إن الله محسن يحب الإحسان، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة؛ وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، ثم ليرح ذبيحته)) (٢).

فإذا كان العبد مأموراً بالإحسان إلى من استحق القتل من الآدميين، وبإحسان ذبحة ما يراد ذبحه من الحيوان، فكيف بغير هذه الحالة؟ (٣)

عن كليب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن)) (٤).

قال ابن القيم رحمه الله:

والله لا يرضى بكثرة فعلنا ... لكن بأحسنه مع الإيمان

فالعارفون مرادهم إحسانه ... والجاهلون عموا عن الإحسان (٥)

والإحسان هو غاية الوجود الإنساني. قال جل جلاله: الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ [الملك: ٢]. وقال تعالى: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الكهف: ٣٠]. وقال سبحانه: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف: ٧]، (ولم يقل: أكثر عملاً، فإذا عرف العبد أنه خلق لأجل أن يختبر في إحسان العمل، كان حريصاً على الحالة التي ينجح بها في هذا الاختبار؛ لأن اختبار رب العالمين يوم القيامة، من لم ينجح فيه جر إلى النار، فعدم النجاح فيه مهلكة، وقد أراد جبريل عليه السلام أن ينبه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عظم هذه المسألة وشدة تأكدها، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم في حديثه المشهور: يا محمد – صلوات الله وسلامه عليه – أخبرني عن الإحسان؟ أي: وهو الذي خلق الخلق من أجل الاختبار فيه، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن طرقه الوحيدة هي هذا الواعظ الأكبر, والزاجر الأعظم، الذي هو طريق المراقبة والعلم فقال: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) (٦).) (٧).

والإحسان نوعان: إحسان في عبادة الله وهو: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) (٨). فهذان مقامان: أحدهما: مقام المراقبة، وهو أن يستحضر العبد قرب الله منه واطلاعه عليه؛ فيتخايل أنه لا يزال بين يدي الله، فيراقبه في حركاته, وسكناته, وسره وعلانيته، فهذا مقام المراقبين المخلصين، وهو أدنى مقام الإحسان.

والثاني: أن يشهد العبد بقلبه ذلك شهادة، فيصير كأنه يرى الله ويشاهده، وهذا نهاية مقام الإحسان، وهو مقام العارفين.


(١) رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٦/ ٤٠) (٥٧٣٥). قال ابن القيسراني في ((ذخيرة الحفاظ)) (٤/ ١٩٨٤): [فيه] محمد بن بلال قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
(٢) رواه الطبراني (٧/ ٢٧٥) (٧١٢١). وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (١٨٢٤).
(٣) ((بهجة قلوب الأبرار)) (ص: ١١٩).
(٤) رواه الطبراني (١٩/ ١٩٩) (١٦١١٨)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (٤/ ٣٣٥). وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (١٨٩١، و٨٠٣٧).
(٥) ((الكافية الشافية)) (ص: ٧٠).
(٦) رواه البخاري (٥٠)، ومسلم (٩).
(٧) ((العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير)) (٥/ ٢٠٠).
(٨) رواه البخاري (٥٠)، ومسلم (٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>