للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اثنان وأربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله الرزاق]

١) إن المتفرد بالرزق هو الله وحده لا شريك له، قال عز وجل يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر: ٣]. وقال سبحانه قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ [سبأ: ٢٤].

ينبه الله عباده إلى الاستدلال على توحيده وإفراده بالعبادة، أنه سبحانه هو المستقل بالخلق والرزق لا يشاركه أحد في ذلك، وإذا كان كذلك، فليفرد بالعبادة ولا يشرك به غيره من الأصنام والأنداد، ولهذا قال تعالى بعد ذلك لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر: ٣] أي: كيف تصرفون بعد هذا البيان عن عبادة الله وحده.

وقد أنكر الله على المشركين عبادتهم للأوثان والأصنام مع أنها لا تملك لهم رزقاً ولا تملك لهم ضراً ولا نفعاً. قال سبحانه وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ [النحل: ٧٣].

فأخبر تعالى أنها لا تملك لهم رزقاً ولا تستطيع ذلك ثم قال سبحانه فَلَا تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ أي لا تجعلوا له الأنداد والأشباه والأمثال إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ أي: أنه يعلم ويشهد أن لا إله إلا هو المتفرد بالخلق والرزق وأنتم بجهلكم تشركون به (١).

وكذا قوله تعالى اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الرُّوم: ٤٠] أي لا يقدر شركاؤكم على شيء من ذلك أبدا، بل لو أمسك الله سبحانه الرزق عن الناس، فلا يملك أحد أن يفتحه عليهم من دون الله، قال تعالى مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ [فاطر: ٢] وقوله جل وعلا أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ [الملك: ٢١] أي: أمن هذا الذي يطعمكم ويسقيكم ويأتي بأقواتكم إن أمسك ربكم رزقه الذي يرزقكم عنكم (٢).

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا انصرف من الصلاة ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولما معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) (٣).

٢) أن الله عز وجل متكفل برزق من في السماوات والأرض، قال سبحانه وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا [هود: ٦]. وقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ [العنكبوت: ٦٠]. قال ابن كثير: أي لا تطيق جمعه ولا تحصيله، ولا تدخر شيئاً لغد، اللهُ يَرْزُقُهَا أي يقيض لها رزقها على ضعفها وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الزرق، ما يصلحه حتى الذر في قرار الأرض والطير في الهواء، والحيتان في الماء (٤).

٣) قال القرطبي: والفرق بين القوت والرزق، أن القوت ما به قوام البنية مما يؤكل ويقع به الاغتذاء.

والرزق كل ما يدخل تحت ملك العبد: مما يؤكل ومما لا يؤكل، وهو مراتب أعلاها ما يغذي.


(١) ((جامع البيان)) (٢٩/ ٦).
(٢) ((جامع البيان)) (٢٩/ ٦).
(٣) رواه البخاري (٨٤٤)، ومسلم (٥٩٣). من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(٤) ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٤٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>