للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سابعا: الآثار الإيمانية لاسم الله الحفيظ]

إن التعبد باسم الله الحفيظ يقتضي من العبد أن يحفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه، وحفظ ذلك: هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده، فلا يتجاوز ما أمر به، وأذن فيه، إلى ما نهى عنه، فمن فعل ذلك، فهو من الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله في كتابه، قال: هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ [ق: ٣٢ - ٣٣]؛ وفسر الحفيظ هاهنا بالحافظ لأوامر الله، وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها.

ومن أعظم ما يجب حفظه من أوامر الله: الصلاة، وقد أمر الله بالمحافظة عليها فقال: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى [البقرة: ٢٣٨] ومدح المحافظين عليها بقوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج: ٣٤].

وكذلك الطهارة، فإنها مفتاح الصلاة. عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)) (١).

فإن العبد تنتقض طهارته ولا يعلم بذلك إلا الله، فالمحافظة على الوضوء للصلاة، دليل على ثبوت الإيمان في القلب.

ومما يؤمر بحفظه الأيمان، قال الله: وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ [المائدة: ٨٩]، فإن الأيمان يقع الناس فيها كثيراً، ويهمل كثير منهم ما يجب بها، فلا يحفظه، ولا يلتزمه.

فمن حفظ أيمانه، دل على دخول الإيمان في قلبه.

وقد ورد التشديد العظيم في الحلف الكاذب، ولا يصدر كثرة الحلف بالله إلا من الجهل بالله، وقلة هيبته في الصدور.

ومما يلزم المؤمن حفظه: رأسه وبطنه. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استحيوا من الله حق الحياء قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله؛ قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى؛ ومن أراد الآخرة، ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله حق الحياء)) (٢).

وحفظ الرأس وما وعى: يدخل فيه حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات، وحفظ البطن وما حوى: يتضمن حفظ القلب عن الإصرار على محرم. قال الله: وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة: ٢٣٥]، وقد جمع الله ذلك كله في قوله: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: ٣٦].

ويدخل في حفظ البطن وما حوى: حفظه من إدخال الحرام إليه، من المأكولات والمشروبات.

ومما يجب حفظه من المنهيات: حفظ اللسان والفرج.

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حفظ ما بين فقميه وفرجه، دخل الجنة)) (٣).

وقد أمر الله بحفظ الفروج خاصة، ومدح الحافظين لها، فقال: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور: ٣٠]، وقال: فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: ٣٥]. الأسماء الحسنى والصفات العلى لعبد الهادي بن حسن وهبي – ص: ٢١٤


(١) رواه ابن ماجه (٢٢٦)، وأحمد (٥/ ٢٧٦) (٢٢٤٣٢)، والطبراني (٢/ ١٠١) (١٤٤٤). قال البوصيري في ((زوائد ابن ماجه)) (١/ ٤٧): هذا الحديث رجاله ثقات، أثبات إلا أنه منقطع بين سالم وثوبان، فإنه لم يسمع منه بلا خلاف. لكن له طريق أخرى متصلة، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (١/ ١٨١) كما قال ذلك في المقدمة، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (١/ ١٤٣): له سند جيد.
(٢) رواه الترمذي (٢٤٥٨). وقال: هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٣) رواه أحمد (٤/ ٣٩٨) (١٩٥٧٧)، وأبو يعلى (١٣/ ٢٠٦) (٧٢٧٥)، والحاكم (٤/ ٣٩٩)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٣/ ٢٦٩). وقال: رواته ثقات، قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٣٠١): رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني بنحوه ورجال الطبراني وأبي يعلى ثقات وفي رجال أحمد راو ولم يسم وبقية رجاله ثقات والظاهر أن الرواي الذي سقط عنه أحمد هو سليمان بن يسار، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع الصغير)) (٦٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>