للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: مادة خلقهم ووقته]

إنّ المادة التي خلقوا منها هي النور؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم)) (١).

ولم يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي نور هذا الذي خلقوا منه، ولذلك فإننا لا نستطيع أن نخوض في هذا الأمر لمزيد من التحديد؛ لأنه غيب لم يرد فيه ما يوضحه أكثر من هذا الحديث ...

ولا ندري متى خُلقوا، فالله - سبحانه - لم يخبرنا بذلك، ولكننا نعلم أنّ خلقهم سابق على خلق آدم أبي البشر، فقد أخبرنا الله أنه أعلم ملائكته أنه جاعل في الأرض خليفة: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: ٣٠]، والمراد بالخليفة آدم عليه السلام، وأمرهم بالسجود له حين خلقه: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر: ٢٩].

رؤية الملائكة:

ولما كانت الملائكة أجساماً نورانية لطيفة، فإن العباد لا يستطيعون رؤيتهم، خاصة أن الله لم يعط أبصارنا القدرة على هذه الرؤية.

ولم ير الملائكة في صورهم الحقيقية من هذه الأمة إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه رأى جبريل مرتين في صورته التي خلقه الله عليها، وقد دلت النصوص على أن البشر يستطيعون رؤية الملائكة، إذا تمثل الملائكة في صورة بشر.

رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على صورته الملائكية التي خلقه الله عليها مرتين، هما المذكورتان في قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ [التكوير: ٢٣]، وفي قوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم: ١٣ - ١٥]، عندما عرج به إلى السموات العلا.

وقد ورد في صحيح مسلم: ((أن عائشة رضي الله عنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن هاتين الآيتين فقال صلى الله عليه وسلم: إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خُلق عليها غير هاتين المرتين.

رأيته منهبطاً من السماء، سادّاً عِظَمُ خَلْقه ما بين السماء إلى الأرض)) (٢).

(وسئلت عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى [النجم: ٨]، فقالت: إنما ذلك جبريل عليه السلام، كان يأتيه في صورة الرجال، وإنه أتاه في هذه المرة في صورته، التي هي صورته، فسدّ أفق السماء) (٣).

وورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل له ستمائة جناح) (٤).

وقال ابن مسعود أيضاً في قوله تعالى: لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم: ١٨] (أي رفرفاً أخضر قد سدّ الأفق) (٥). وهذا الرفرف الذي سدّ الأفق هو ما كان عليه جبريل، فقد ذكر ابن حجر أن النسائي والحاكم رويا من طريقهما عن ابن مسعود قال: (أبصر نبي الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض) (٦) (٧).


(١) رواه مسلم (٢٩٩٦).
(٢) رواه مسلم (١٧٧).
(٣) رواه مسلم (١٧٧).
(٤) رواه البخاري (٤٨٥٦)، ورواه مسلم (١٧٤).
(٥) رواه البخاري (٣٢٣٣).
(٦) رواه الترمذي (٣٢٨٣)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٦/ ٤٧٣) (١١٥٤١)، والحاكم (٢/ ٥٠٩). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (١/ ٤٠): إسناده جيد قوي، وحسن إسناده ابن حجر في ((تحفة النبلاء)) (٨٥).
(٧) ((فتح الباري)) (٨/ ٦١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>