للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث السادس: تحديد دائرة ما يُعذر به في توحيد الألوهية وما لا يعذر به

إن إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة والطاعة ونبذ ما سواه من المعبودات الباطلة هو لب دين الإسلام، وهو المقصود من الشهادتين، فلابد لدخول الإسلام من الإقرار المجمل بالإسلام والبراءة المجملة من كل دين يخالفه اعتقاداً بالقلب وانقياداً بالجوارح. وإذا لم يتحقق هذا بأن يعتقد صحة دين آخر مع الإسلام، أو أن يصرف شيئا من العبادة لغير الله معتقداً استحقاق ذلك الغير لتلك العبادة، فمن كانت هذه حاله، فلا يسمى موحداً، بل هو كافر كفرا أصلياً.

قال الحافظ ابن القيم – رحمه الله -: (الإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك، والإيمان بالله ورسوله وأتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا، فليس بمسلم، وإن لم يكن كافراً معانداً، فهو كافر جاهل. فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارا، فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله، إما عناداً أو جهلاً وتقليداً لأهل العناد) (١).

يفهم مما سبق أنه لا عذر بالجهل في الإقرار المجمل بالإسلام والبراءة المجملة من كل دين يخالفه، فكل من لم يدن بدين الإسلام الذي لبه وزبدته إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة والطاعة، فهو كافر، سواءً كان ذلك عناداً أم جهلاً.

فعبادة غير الله معه أو من دونه مما ينافي أصل التوحيد، ولهذا كل ما كان من الاعتقادات أو الأعمال مما ينافي أصل التوحيد كالتوجه بأنواع العبادات كالصلاة والسجود لغير الله، اعتقاداً أن ذلك الغير يستحق العبادة مع الله أو من دونه، كل هذا مما ينافي مدلول الشهادتين، فكان لا عذر لأحد بجهل أو غيره إذا وقع فيه؛ لأن أمر التوحيد قد قامت عليه الحجة بصورة كثيرة، منها الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم الذي جاءت الرسل تذكر به وهي الصورة الثانية، ثم الإقرار بالشهادتين.

فالجهل بهذا الأصل لا يعتبر عذرا للحكم بقيام الحجة فيه على كل معين أقر بالشهادتين، وإنما يعذر بالجهل في بعض تفاصيل هذا الأصل إذا لم تبلغ المكلف الحجة فيها، أو قامت في ذهن المكلف شبهات يعذر بها.

ومما يدخل في هذا المعنى كذلك أي مما ينافي أصل التوحيد مما هو واقع في الأمة – ولا حول ولا قوة إلا بالله – الإعراض والكراهية لما أنزل الله تعالى بعضه أو كله. وهذا مما يحتاج الكلام فيه إلى بسط وتفصيل.

يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله – عند حديثه عن أنواع الاعتراض المنافي للرضا: (النوع الثاني: الاعتراض على شرعه وأمره. وأهل هذا الاعتراض ثلاثة أنواع:

أحدها: الاعتراض عليه بآرائهم وأقيستهم المتضمنة تحليل ما حرم الله سبحانه وتعالى، وتحريم ما أباحه، وإسقاط ما أوجبه، وإيجاب ما أسقطه، وإبطال ما صححه، وتصحيح ما أبطله، واعتبار ما ألغاه، وإلغاء ما اعتبره، وتقييد ما أطلقه، وإطلاق ما قيده.

وهذه هي الآراء والأقيسة التي اتفق السلف قاطبة على ذمها، وصاحوا على أصحابها من أقطار الأرض، وحذروا منهم، ونفروا عنهم.

الثاني: الاعتراض على حقائق الإيمان والشرع بالأذواق والمواجيد والخيالات والكشوفات الباطلة الشياطنية المتضمنة شرع دين لم يأذن به الله، وإبطال دينه الذي شرعه على لسان رسوله ...


(١) ((طريق الهجرتين)) (ص: ٤١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>