للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[- النسيان (بمعنى الترك)]

صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة

الدليل من الكتاب:

قوله تعالى: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة: ٦٧]

وقوله: فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا [الأعراف:٥١]

وقوله: فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ [السجدة: ١٤]

وقوله: وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا [الجاثية: ٣٤]

الدليل من السنة:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه في رؤية الله يوم القيامة، وفيه: أنَّ الله يلقى العبد، فيقول: أفظننت أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا فيقول – أي: الله عَزَّ وجَلَّ – فإني أنساك كما نسيتني)) (١)

قال الإمام أحمد: أما قوله: الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا؛ يقول: نترككم في النار؛ كما نَسيتُمْ؛ كما تركتم العمل للقاء يومكم هذا اهـ (٢)

وقال ابن فارس: النِّسْيان: الترك، قال الله جَلَّ وعَزَّ: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ اهـ (٣)

وقال الطبري في تفسير قوله تعالى نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ: معناه: تركوا الله أن يطيعوه ويتبعوا أمره، فتركهم الله من توفيقه وهدايته ورحمته، وقد دللنا فيما مضى على أنَّ معنى النسيان: الترك، بشواهده فأغنى ذلك عن إعادته ههنا أهـ

وسُئِل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في (مجموع فتاوى ورسائل) (٤) السؤال التالي: هل يوصف الله تعالى بالنِّسْيَان؟

فأجاب حفظه الله تعالى بقوله: (للنِّسْيَان معنيان:

أحدهما: الذهول عن شيء معلوم؛ مثل قوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِن نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:٢٨٦]-وضرب مجموعة من الأمثلة لذلك- ثم قال: وعلى هذا؛ فلا يجوز وصف الله بالنِّسْيَان بهذا المعنى على كل حال

والمعنى الثاني للنِّسْيَان: الترك عن علم وعمد؛ مثل قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:٤٤] الآية، ومثل قوله تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه:١١٥]؛ على أحد القولين، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في أقسام أهل الخيل: ((ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ولم ينس حق الله في رقابها وظهورها؛ فهي له كذلك ستر)) (٥) وهذا المعنى من النِّسْيَان ثابت لله تعالى عَزَّ وجَلَّ؛ قال الله تعالى: فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ [السجدة: ١٤]، وقال تعالى في المنافقين: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة:٦٧] وفي (صحيح مسلم) في (كتاب الزهد والرقائق) عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: ((قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكر الحديث، وفيه: أنَّ الله تعالى يلقى العبد، فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا فيقول: فإني أنساك كما نسيتني)) (٦)

وتركُه سبحانه للشيء صفةً من صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته التابعة لحكمته؛ قال الله تعالى: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:١٧]، وقال تعالى: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الكهف:٩٩]، وقال: وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً [العنكبوت:٣٥] والنصوص في ثبوت الترك وغيره من أفعاله المتعلقة بمشيئته كثيرة معلومة وهي دالة على كمال قدرته وسلطانه

وقيام هذه الأفعال به سبحانه لا يماثل قيامها بالمخلوقين، وإن شاركه في أصل المعنى؛ كما هو معلوم عند أهل السنة) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص٢٩٨


(١) رواه مسلم (٢٩٦٨).
(٢) ((الرد على الزنادقة والجهمية)) (ص٢١)
(٣) ((مجمل اللغة)) (ص٨٦٦)
(٤) (٣/ ٥٤ - ٥٦) (٣٥٤).
(٥) رواه البخاري (٢٣٧١)، ومسلم (٩٨٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٦) رواه مسلم (٢٩٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>