للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: تعريف التأويل لغة واصطلاحا]

في اللغة

مادة (أول) في كل استعمالاتها اللغوية تفيد معنى الرجوع، والعود، جاء في اللسان: (الأول: الرجوع: آل الشيء يؤول أولاً ومآلاً: رجع، وأول إليه الشيء: رجعه، وآلت عن الشيء: ارتددت والإيل والأيل: من الوحش، وقيل هو الوعل، قال الفارسي: سمي بذلك لمآله إلى الجبل يتحصن فيه وقال أبو عبيد في قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ [آل عمران:٧] قال: التأويل المرجع والمصير، مأخوذ من آل يؤول إلى كذا أي صار إليه، وأولته: صيرته إليه) (١) وفي تهذيب اللغة: (وأما التأويل فهو تفعيل من أول يؤول تأويلاً وثلاثيه آل يؤول: أي رجع وعاد) (٢) وقال ابن فارس: (أول الحكم إلى أهله: أي أرجعه ورده إليهم ... وآل الجسم إذا نحف، أي رجع إلى تلك الحالة، ومن هذا الباب تأويل الكلام وهو عاقبته وما يؤول إليه، وذلك قوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:٥٣]، ويقول: ما يؤول إليه في وقت بعثهم ونشورهم ... ) (٣).

إذا التأويل هو ما أول إليه أو يؤول إليه، أو تأول إليه، والكلام إنما يرجع ويعود ويستقر ويؤول إلى حقيقته التي هي عين المقصود به (٤)، وهذا هو المعنى الوارد في الكتاب والسنة.

ب- أما معنى التأويل في اصطلاح العلماء، فله ثلاثة معان:

الأول: (أن يراد بالتأويل حقيقة ما يؤول إليه الكلام، وإن وافق ظاهره، وهذا هو المعنى الذي يراد بلفظ التأويل في الكتاب والسنة، كقوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:٥٣] ومنه قول عائشة – رضي الله عنها -: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا ولك الحمد: اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)) (٥).

الثاني: يراد بلفظ التأويل: (التفسير) وهو اصطلاح كثير من المفسرين، ولهذا قال مجاهد – إمام أهل التفسير -: إن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، فإنه أراد بذلك تفسيره وبيان معانيه، وهذا مما يعلمه الراسخون.

الثالث: أن يراد بلفظ (التأويل): صرف اللفظ عن ظاهره الذي يدل عليه ظاهره إلى ما يخالف ذلك، لدليل منفصل يوجب ذلك، وهذا التأويل لا يكون إلا مخالفاً لما يدل عليه اللفظ ويبينه، وتسمية هذا تأويلاً لم يكن في عرف السلف، وإنما سمي هذا وحده تأويلاً طائفة من المتأخرين الخائضين في الفقه وأصوله والكلام، وهذا هو التأويل الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض، ورموا في آثارهم بالشهب ... ) (٦)، وهذا التأويل الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في مسألة الصفات والقدر ونحوها.

وهو من أعظم أصول الضلال والانحراف حيث صار ذريعة لغلاة الجهمية والباطنية والمتصوفة في تأويل التكاليف الشرعية على غير مقصودها أو إسقاطها أو تأويل جميع الأسماء والصفات.

وأهل التأويل المذموم (مراتب ما بين قرامطة وباطنية يتأولون الأخبار والأوامر، وما بين صائبة فلاسفة عامة الأخبار عن الله واليوم الآخر، حتى عن أكثر أحوال الأنبياء، وما بين جهمية ومعتزلة يتأولون بعض ما جاء في اليوم الآخر وفي آيات القدر ويتأولون آيات الصفات، وقد وافقهم بعض متأخري الأشعرية على ما جاء في بعض الصفات، وبعضهم في بعض ما جاء في اليوم الآخر، وآخرون من أصناف الأمة وإن كان تغلب عليهم السنة، فقد يتأولون أيضاً مواضع يكون تأويلهم من تحريف الكلم عن مواضعه) (٧). نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي– ٢/ ٢٠


(١) ((لسان العرب)) (١١/ ٣٢ - ٣٤).
(٢) ((تهذيب اللغة)) للأزهري (١٥/ ٤٣٧).
(٣) ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (١/ ١٥٩)، وانظر في المعني اللغوي، ((النهاية)) (١/ ٨٠ - ٨١)، ((مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٢٩٠ - ٢٩٤)، و ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (١/ ١٧٥ –١٧٨)، وانظر مبحثاً نفيسا حول أطوار استعمالات كلمة التأويل في ((الإمام ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل)) لمحمد السيد الجليند (ص: ٢٧ - ٥٠).
(٤) نظر ((مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٢٩٣).
(٥) رواه البخاري (٨١٧)، ومسلم (٤٨٤).
(٦) ((مجموع الفتاوى)) (٤/ ٦٨ – ٧٠) وانظر (٣/ ٥٤ – ٦٨، ٥/ ٢٨ – ٣٦، ١٣/ ٢٧٧ – ٣١٣)، وانظر ((الصواعق المرسلة)) (١/ ١٧٥ – ٢٣٣)، و ((شرح الطحاوية)) (ص: ٢٣١ - ٢٣٦).
(٧) ((مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٢٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>