للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: قولهم في الإيمان]

والمقصود بمرجئة الفقهاء: من نسب إليه الإرجاء من الفقهاء، كحماد بن أبي سليمان، وأبي حنيفة رحمهما الله ومن تبعهما.

وقد ذهبوا إلى أن الإيمان تصديق بالقلب، وقول باللسان، وأخرجوا العمل من مسماه، وزعموا أنه لا يزيد ولا ينقص، ولا يستثنى منه، مع قولهم إن مرتكب الكبيرة معرض للوعيد، وهو تحت المشيئة، كما هو القول عند أهل السنة والجماعة.

قال أبو حنيفة في كتاب الوصية المنسوب إليه: (الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان، والإقرار وحده لا يكون إيمانا؛ لأنه لو كان إيمانا لكان المنافقون كلهم مؤمنين، وكذلك المعرفة وحدها أي مجرد التصديق لا يكون إيمانا؛ لأنها لو كانت إيمانا لكان أهل الكتاب كلهم مؤمنين. قال الله تعالى في حق المنافقين: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:١]، أي في دعواهم الإيمان حيث لا تصديق لهم. وقال الله تعالى في حق أهل الكتاب: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ [البقرة:١٤٦]) (١).

وقال في الفقه الأكبر المنسوب إليه أيضا: (ولا نكفر مسلما بذنب من الذنوب وإن كانت كبيرة، إذا لم يستحلها، ولا نزيل عنه اسم الإيمان. ونسميه مؤمنا حقيقة، ويجوز أن يكون مؤمنا فاسقا غير كافر).

ثم قال: (ولا نقول: إن المؤمن لا تضره الذنوب، ولا نقول: إنه لا يدخل النار، ولا نقول: إنه يخلد فيها وإن كان فاسقا بعد أن يخرج من الدنيا مؤمنا، ولا نقول: إن حسناتنا مقبولة وسيئاتنا مغفورة كقول المرجئة، ولكن نقول: من عمل حسنة بجميع شرائطها خالية عن العيوب المفسدة والمعاني المبطلة، ولم يبطلها بالكفر والردة حتى خرج من الدنيا مؤمنا، فإن الله تعالى لا يضيعها بل يقبلها منه ويثيبه عليها. وما كان من السيئات دون الشرك والكفر ولم يتب عنها صاحبها حتى مات مؤمنا، فإنه في مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه بالنار، وإن شاء عفا عنه ولم يعذبه بالنار أصلا).

إلى أن قال: (وإيمان أهل السماء والأرض لا يزيد ولا ينقص من جهة المؤمن به، ويزيد وينقص من جهة اليقين والتصديق. والمؤمنون مستوون في الإيمان والتوحيد، متفاضلون في الأعمال) (٢).

وقال في الوصية: (ثم الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأنه لا يتصور زيادة الإيمان إلا بنقصان الكفر، ولا يتصور نقصان الإيمان إلا بزيادة الكفر، فكيف يجوز أن يكون الشخص الواحد في حالة واحدة مؤمنا وكافرا، والمؤمن لا مؤمن حقا. وليس في إيمان المؤمن شك، كما أنه ليس في كفر الكافر شك ... ) (٣).


(١) ((الوصية)) لأبي حنيفة، نقلا عن ((شرح الفقه الأكبر)) لملا علي القاري (ص١٢٤). وفي ثبوت هذا الكتاب إلى أبي حنيفة نظر؛ إذ سند الكتاب إليه مسلسل بالمجاهيل، مع اشتماله على مسائل كثيرة مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة. وانظر تحقيق ذلك في: ((براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة)) للدكتور عبد العزيز بن أحمد الحميدي حفظه الله، (ص٧٦ - ٧٩).
(٢) ((الفقه الأكبر)) مع شرحه لملا علي القاري (ص١٠٢ - ١٢٩). ونسبة كتاب الفقه الأكبر هذا إلى أبي حنيفة لا تصح، كما بينه الدكتور عبد العزيز ابن أحمد الحميدي في ((براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة)) (ص٤٦ - ٧١) لكن القول بالإرجاء ثابت عن أبي حنيفة، أثبته معاصروه، ومن جاء بعده، انظر المصدر السابق (ص٢٠٧ - ٢١٢).
(٣) ((الوصية)) لأبي حنيفة، نقلاً عن ((شرح الفقه الأكبر)) (ص١٢٧) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>