[المبحث الثاني: مسألة الاسم عين المسمى أو غيره]
هذه المسألة من المسائل الحادثة التي لم يعرفها السلف الأوائل من الصحابة والتابعين، ولم ينقل عنهم أنهم خاضوا فيها، كما قال ابن جرير رحمه الله تعالى: ثم حدث في دهرنا هذا حماقات خاض فيها أهل الجهل والغباء, ونوكي الأمة, والرعاع, يتعب إحصاؤها ويمل تعدادها، فيها القول في اسم الشيء، أهو هو أم هو غيره.
وقال: وأما القول في الاسم أهو المسمى أم غير المسمى, فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع، ولا قول من إمام فيستمع، فالخوض فيه شين والصمت عنه زين. اهـ (١).
ولكن لما كان الكلام في هذا الأمر مستمراً من أهل البدع والضلالات، اضطر أهل السنة للرد على هؤلاء، وتفنيد أقوالهم الباطلة المخالفة لكتاب الله وسنة نبيه, وبيان الحق في هذه المسألة.
وقبل أن ندخل في بيان هذه المسألة لنتعرف على المعنى اللغوي للفظة (اسم).
قال الزجاج: معنى قولنا اسم هو مشتق من السمو وهو الرفعة، والأصل فيه: سمو مثل قنو وأقناء.
وقال الجوهري مثله.
قال ابن سيده: والاسم اللفظ الموضوع على الجوهر أو العرض لتفصل به بعضه من بعض كقولك مبتدئا: اِسم هذا كذا، وإن شئت قلت: اُسم هذا كذا.
وقال أبو العباس: الاسم رسم وسمة توضع على الشيء تعرف به.
قال الأزهري: ومن قال إن اسماً مأخوذ من وسمت فهو غلط. لأنه لو كان اسم من سمته لكان تصغيره وسيماً مثل تصغير عدةٍ وصلة وما أشبهها.
قال ابن تيمية: وهو مشتق من (السمو) وهو العلو كما قال النحاة البصريون، وقال النحاة الكوفيون هو مشتق من (السمة) وهي العلامة، وهذا صحيح في (الاشتقاق الأوسط) وهو ما يتفق فيه حروف اللفظين دون ترتيبهما، فإنه في كليهما (السين والميم والواو) والمعنى صحيح، فإن السمة والسيما: العلامة، ومنه يقال: وسمته اسمه كقوله: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [القلم: ١٦]. ومنه التوسم كقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر: ٧٥].
لكن اشتقاقه من (السمو) هو الاشتقاق الخاص الذي يتفق فيه اللفظان في الحروف, وترتيبها, ومعناه أخص وأتم، فإنهم يقولون في تصريفه: سميت, ولا يقولون وسمت، وفي جمعه أسماء لا أوسام، وفي تصغيره سمي لا وسيم. ويقال لصاحبه مسمى لا يقال موسوم، وهذا المعنى أخص. فإن (العلو) مقارن (للظهور)، كلما كان الشيء أعلى كان أظهر.
فالاسم يظهر به المسمى ويعلو، فيقال للمسمى: سمه أي أظهره، وأعله أي أعل ذكره بالاسم الذي يذكر به، لكن تارة بما يحمد به ويذكر تارة بما يذم به، كما قال تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [مريم: ٥٠]. وقال وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:٤] وقال وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات٧٨:- ٧٩].
وقال في النوع المذموم: وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ [القصص: ٤٢]. وقال تعالى: نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [القصص: ٣]، فكلاهما ظهر ذكره، لكن هذا إمام في الخير, وهذا إمام في الشر.
وما ليس له اسم، فإنه لا يذكر, ولا يظهر, ولا يعلو ذكره، بل هو كالشيء الخفي الذي لا يعرف, ولهذا يقال: الاسم دليل على المسمى، وعلم على المسمى ونحو ذلك.
ولهذا كان (أهل الإسلام والسنة) الذين يذكرون أسماء الله يعرفونه, ويعبدونه, ويحبونه, ويذكرونه, ويظهرون ذكره.
(١) ((صريح السنة)) (١٧، ٢١).