للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ (أمؤمن أنت)]

لما كان المرجئة هم أول من أثار مسألة الاستثناء في الإيمان؛ لحاجة في نفوسهم ولمقصد سيء في صدورهم، وهو دعم قولهم في الإيمان وأنه التصديق وحده وأن العمل خارج من مسماه، ولما أكثروا من طرح هذه المسألة بين الناس بغية تحقيق ذاك المقصد، أنكر عليهم السلف ذلك أشد الإنكار وحاربوا مقالتهم أقوى محاربة، ولهذا كثرت أقوالهم رحمهم الله المبينة للجواب الشرعي على هذه المسألة البدعية، ونصوا رحمهم الله على كراهة هذه المسألة وأنها من بدع المرجئة السيئة.

وأقوالهم رحمهم الله في ذم هذه المسألة وتبديع قائلها كثيرة جداً، حتى إن بعض من صنف في العقيدة على رسم السنة أفرد باباً في مصنفه في هذا الموضوع على الخصوص كالآجري في (الشريعة)، فقد أفرد باباً (فيمن كره من العلماء لمن سأل غيره فيقول له: أنت مؤمن هذا عندهم مبتدع رجل سوء) (١) وكذلك فعل ابن بطة في (الإبانة) فقد أفرد باباً بعنوان: (سؤال الرجل لغيره أمؤمن أنت؟ وكيف الجواب له؟ وكراهية العلماء هذا السؤال وتبديع السائل عن ذلك) (٢).

وقد أوردا رحمهما الله في هذين البابين نصوصاً كثيرة عن السلف رحمهم الله في ذم المرجئة وتبديعهم في مقالتهم هذه، صيانة منهم للمعتقد وحفاظاً على الديانة.

قال ابن بطة رحمه الله في نهاية الباب المذكور: (فقد ذكرت في هذا الباب من كلام أئمة المسلمين وقول الفقهاء والتابعين ما إن عمل به المؤمن أراح به نفسه من خصومة المرجئ الضال، وأزاح به علته، وكان لدينه بذلك صيانة ووقاية والله أعلم) (٣).

ولما كان الأمر بهذه المثابة خصصت هذا الموضوع بهذا المبحث لأنقل فيه بعض ما ورد عن السلف في ذلك تحذيراً من هذه المقالة السيئة المبتدعة، وتبصيراً بالحق والسنة.

١ - (سأل رجل ميمون بن مهران قال: فقال لي: أمؤمن أنت؟ قال: قل: آمنت بالله وملائكته وكتبه، قال: لا يرضى مني بذلك، قال: فردها، فقال: لا يرضى، فردها عليه ثم ذره في غيظه يتردد) (٤).

٢ - وعن إبراهيم النخعي قال: (سؤال الرجل الرجل أمؤمن أنت؟ بدعة) (٥). وسأله رجل: أمؤمن أنت؟ فقال: (ما أشك في إيماني، وسؤالك إياي عن هذا بدعة) (٦).

٣ - وقال الإمام أحمد سمعت سفيان بن عيينة يقول: (إذا سئل أمؤمن أنت؟ إن شاء لم يجبه، أو يقول: سؤالك إياي بدعة، ولا أشك في إيماني) (٧).

٤ - وقيل له الرجل يقول: مؤمن أنت؟ فقال: (فقل: ما أشك في إيماني وسؤالك إياي بدعة، وتقول ما أدري أنا عند الله عز وجل شقي أم سعيد، مقبول العمل أم لا؟) (٨).

٥ - وسئل الإمام أحمد عن الرجل يقال له: (أمؤمن أنت؟ قال: سؤاله إياك بدعة، ويقول: إن شاء الله) (٩).

٦ - وقال الإمام محمد بن حسين الآجري: (إذا قال لك رجل: أنت مؤمن؟ فقل: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والموت والبعث من بعد الموت والجنة والنار، وإن أحببت أن لا تجيبه تقول له: سؤالك إياي بدعة، فلا أجيبك، وإن أجبته، فقلت: أنا مؤمن إن شاء الله على النعت الذي ذكرناه فلا بأس به، واحذر مناظرة مثل هذا، فإن هذا عند العلماء مذموم، واتبع من مضى من أئمة المسلمين تسلم إن شاء الله تعالى) (١٠).

وبهذه النقول الطيبة عن سلف الأمة يعلم أن من البدع الحوادث ومن الأقوال المبتدعة سؤال الرجل أخاه أمؤمن أنت؟ فالواجب على المسلم العاقل أن يحبس نفسه على السنة، وأن يحذر من البدعة، وأن يقف حيث وقف القوم، ويقول فيما قالوا، ويكف عما كفوا، ويسلك سبيل السلف الصالح رحمهم الله تعالى. زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه لعبدالرزاق البدر – ص ٤٩١


(١) ((الشريعة)) (ص: ١٤٠).
(٢) (الإبانة)) (٢/ ٨٧٧).
(٣) ((الإبانة)) (٢/ ٨٨٣).
(٤) رواه ابن بطة في ((الإبانة)) (٢/ ٨٧٧).
(٥) رواه عبدالله في ((السنة)) (١/ ٣٢١)، والآجري في ((الشريعة)) (ص: ٧٦٥)، وابن بطة في ((الإبانة)) (٢/ ٨٨٠).
(٦) رواه عبدالله في ((السنة)) (١/ ٣٣٩).
(٧) رواه عبدالله في ((السنة)) (١/ ٣١٠)، والخلال في ((السنة)) (٣/ ٦٠٢)، والآجري في ((الشريعة)) (ص: ١٣٨)، وابن بطة في ((الإبانة)) (٢/ ٨٨١).
(٨) رواه عبدالله في ((السنة)) (١/ ٣٣٨)، والآجري في ((الشريعة)) (ص: ١٤٠).
(٩) رواه الخلال في السنة (٣/ ٦٠١).
(١٠) ((الشريعة)) (ص: ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>