[المطلب الأول: أنواع الخوارق من ناحية القدرة والتأثير]
وأما القدرة والتأثير فإما أن يكون في العالم العلوي أو ما دونه، وما دونه إما بسيط أو مركب، والبسيط إما الجو وإما الأرض، والمركب إما حيوان وإما نبات وإما معدن. والحيوان إما ناطق وإما بهيم، فالعلوي كانشقاق القمر ورد الشمس ليوشع بن نون، وكذلك ردها لما فاتت عليا الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم نائم في حجره – إن صح الحديث – فمن الناس من صححه كالطحاوي والقاضي عياض. ومنهم من جعله موقوفاً كأبي الفرج بن الجوزي، وهذا أصح. وكذلك معراجه إلى السماوات. وأما الجو فاستسقاؤه واستصحاؤه غير مرة، كحديث الأعرابي الذي في الصحيحين وغيرهما، وكذلك كثرة الرمي بالنجوم عند ظهوره، وكذلك إسراؤه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
وأما الأرض والماء فكاهتزاز الجبل تحته وتكثير الماء في عين تبوك وعين الحديبية، ونبع الماء من بين أصابعه غير مرة، ومزادة المرأة.
وأما المركبات فتكثيره للطعام غير مرة في قصة الخندق من حديث جابر وحديث أبي طلحة، وفي أسفاره، وجراب أبي هريرة، ونخل جابر بن عبد الله، وحديث جابر وابن الزبير في انقلاع النخل له وعوده إلى مكانه، وسقياه لغير واحد من الأرض كعين أبي قتادة. وهذا باب واسع لم يكن الغرض هنا ذكر أنواع معجزاته بخصوصه وإنما الغرض التمثيل.
وكذلك من باب القدرة عصا موسى صلى الله عليه وسلم وفلق البحر والقمل والضفادع والدم، وناقة صالح، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى لعيسى، كما أن من باب العلم إخبارهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم. وفي الجملة لم يكن المقصود هنا ذكر المعجزات النبوية بخصوصها، وإنما الغرض التمثيل بها.
وأما المعجزات التي لغير الأنبياء من باب الكشف والعلم فمثل قول عمر في قصة سارية، وإخبار أبي بكر بان ببطن زوجته أنثى، وإخبار عمر بمن يخرج من ولده فيكون عادلاً. وقصة صاحب موسى في علمه بحال الغلام، والقدرة مثل قصة الذي عنده علم من الكتاب. وقصة أهل الكهف، وقصة مريم، وقصة خالد بن الوليد وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي مسلم الخولاني، وأشياء يطول شرحها. فإن تعداد هذا مثل المطر. وإنما الغرض التمثيل بالشيء الذي سمعه أكثر الناس. وأما القدرة التي لم تتعلق بفعله فمثل نصر الله لمن ينصره وإهلاكه لمن يشتمه. مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية – ٥/ ١٥٦