للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الرابع: بيان أن الحكم لله وحده شرعاً وجزاء:

من أنواع الأدلة لتقرير توحيد الألوهية بيان أن الحكم لله تعالى دون سواه. وحكمه تعالى شامل للحكم الشرعي الأمري، والحكم الجزائي القضائي وهذا من ربوبية الله تعالى، فإنه جل وعلا قد حكم شرعاً فأمر أن تكون العبادة له وحده دون سواه، ونهى عن عبادة غيره، وبين بطلان عمل المشركين وصحة عمل الموحدين، وقد بين الله حكمه الجزائي القضائي من نصره لأوليائه الموحدين في الدنيا وإثابتهم في الآخرة، وعذابه الدنيوي والأخروي لأعدائه المشركين به، وكل ذلك للتنفير من عبادة غيره وإفراده وحده بالعبادة. فتبين من هذا العرض أن هذا النوع شامل لمسائل:

المسألة الأولى: (١) من حكم الله الشرعي: الأمر بعبادته وحده لا شريك له، وتوجيه المشركين إلى سؤاله وحده.

المسألة الثانية: (٢) ومن حكمه الشرعي: حكمه ببطلان عمل المشركين وصلاح عمل الموحدين.

المسألة الثالثة: ومن حكمه الجزائي: إثابته لأوليائه الموحدين ونصرهم في الدنيا والآخرة، وحكمه بنقيض ذلك على المشركين.

أما المسألة الأولى: وهي الأمر بعبادة الله جل وعلا وتوجيه المشركين إلى سؤاله وحده، فإن الله تعالى قد قال: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف: ٤٠].

وقال الله تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: ٦٨ - ٧٠].

فبين الله تعالى أن له الخلق والاختيار، فهو يخلق ما يشاء، ويختار ما يشاء، ولا أحد يشاركه في ذلك، ولذلك نزه نفسه عن شرك المشركين (٣) ثم بين الله تعالى انفراده بالحكم، وهو شامل لكل قضاء يقضيه (فالحلال ما أحله تعالى والحرام ما حرمه والدين ما شرعه والقضاء ما قضاه) (٤).

وإن مما قضاه الله تعالى وصية وأمراً: عبادته وحده لا شريك له كما قال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء: ٢٣].

وإن الله تعالى وجه المشركين إلى إخلاص الدعاء له وحده فقال تعالى: وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف: ٢٨ - ٢٩].

وقد بين لهم الله تعالى بطلان دعائهم غير الله بأوجه كثيرة كعجز من يدعونه وأنه مربوب مخلوق لا يملك شيئاً ... وإن الله تعالى أمر كل الناس بدعائه وحده لا شريك له وترك الإفساد في الأرض بالشرك وغيره فقال: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: ٥٥ - ٥٦].

المسألة الثانية: ومن حكمه الشرعي حكمه ببطلان عمل المشركين وصلاح عمل الموحدين:


(١) انظر ((القواعد الحسان)) للسعدي (ص: ١٨) و ((رسالة الشرك ومظاهره)) (ص: ١٩٥).
(٢) انظر: ((القواعد الحسان)) (ص: ١٧).
(٣) انظر: ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٣٩٧).
(٤) ((أضواء البيان)) (٤/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>