للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الأدلة من السنة النبوية]

وكما حظي ذكر الحساب في القرآن الكريم بكثرة العناية بذكره وإيراده في أكثر من موضع كما رأينا فيما سبق عرضه، فقد حظي كذلك بالذكر والعناية والاهتمام على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد وردت أحاديث كثيرة بشأنه وسنذكر منها ما يتبين به صدق ما قدمناه وذلك فيما يلي:

قال صلى الله عليه وسلم في الحث على الاستعداد بالعمل الصالح, ومحاسبة النفس, وعدم تركها ترتع كيف شاءت، وهو ما ورد عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها, وتمنى على الله الأماني)) (١). قال الترمذي: (ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((دان نفسه)) يقول: حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة) (٢).

فإذا لم يستعد العبد بالعمل الصالح, ولم يسلك ما أمره الله به, ولم ينته عما نهاه عنه بل كفر بربه ولقائه, فإنه سيندم يوم القيامة, ويتمنى أن لو كان له ملء الأرض ذهباً ويفتدي به لو نفعه حين يحاسب بين يدي الله تبارك وتعالى.

كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم، فيقال له: قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك)) (٣).

وقدجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في سهولة الحساب ويسره وتجاوز الله تعالى: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك، فقلت: يا رسول الله أليس قد قال الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق: ٧ - ٩]. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب)) (٤). وفي بعض روايات هذا الحديث: ((من حوسب عذب)) إلخ الحديث (٥).

وقال صلى الله عليه وسلم في تجاوز الله تعالى عمن يتجاوز عن الناس في الحساب, وييسر عليهم, وتخفيف الله عن عباده، عن أبي مسعود البدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسراً، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر. قال: قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه)) (٦).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حساباً يسيراً، فلما انصرف قلت: يا نبي الله ما الحساب اليسير؟ قال: أن ينظر الله في كتابه فيتجاوز عنه، من نوقش الحساب يومئذ يا عائشة هلك، وكل ما يصيب المؤمن يكفر الله عز وجل به عنه حتى الشوكة تشوكه)) (٧).


(١) رواه الترمذى (٢٤٥٩)، وابن ماجه (٤٩٨٣)، وأحمد (٤/ ١٢٤) (١٧١٦٤)،، وأبو نعيم فى ((الحلية)) (١/ ٢٦٧)، والطبراني (٧/ ٢٨١) (٧١٤١)، والحاكم (١/ ١٢٥)، والبيهقي (٣/ ٣٦٩) (٦٣٠٦). قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخارى. وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (٧/ ٣٣٣).
(٢) ((سنن الترمذي)) (٥/ ٤٤٩).
(٣) رواه البخاري (٦٥٣٨)، ومسلم (٢٨٠٥).
(٤) رواه البخاري (١٠٣).
(٥) رواه البخاري (٦٥٣٨)، ومسلم (٢٨٠٥).
(٦) رواه مسلم (١٥٦١).
(٧) رواه أحمد (٦/ ٤٨) (٢٤٢٦١)، وابن خزيمة (٢/ ٣٠) (٨٤٩)، وابن حبان (١٦/ ٣٧٢) (٧٣٧٢)، والحاكم (١/ ٣٨٥) وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (٣/ ١٠٠٧): إسناده جيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>