[المطلب الثاني: موضع تلك القنطرة]
أما موضع تلك القنطرة؛ فقد اختلف العلماء كما أشرنا سابقا – في موضعها، وحاصل الخلاف يرجع إلى أمرين: -
الأمر الأول: أن تلك القنطرة هي جزء من الصراط وتتمة له.
الأمر الثاني: أنها صراط مستقل بين الصراط الأول والجنة، خاصة بمن كتبت لهم السعادة.
وبعض العلماء لم يترجح لديه أحد الأمرين.
قال ابن حجر: واختلف في القنطرة المذكورة، فقيل: هي من تتمة الصراط، وهي طرفه الذي يلي الجنة، وقيل: إنهما صراطان.
وذهب القرطبي إلى القول بأن القنطرة ليست من الصراط الأول العظيم المنصوب على متن جهنم، وإنما هي صراط ثان وقد بوب على هذا بقوله: باب: ذكر الصراط الثاني، وهو القنطرة التي بين الجنة والنار، وذكر أن المؤمنين إذا خلصوا من صراط جهنم حبسوا على صراط آخر خاص لهم. قال: ولا يرجع إلى النار من هؤلاء أحد _ إن شاء الله _ لأنهم قد عبروا الصراط الأول المضروب على متن جهنم، الذي يسقط فيها من أوبقه ذنبه، وأربى على الحسنات بالقصاص جرمه. (١)
ونقل القرطبي – عن مقاتل أيضا – ما يفيد أنه يرى أن القنطرة صراط آخر, وذلك في قوله: قال مقاتل: إذا قطعوا جسر جهنم؛ حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار؛ فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا وطيبوا؛ قال لهم رضوان وأصحابه: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ [الزمر: ٧٣] بمعني التحية طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر: ٧٣]. (٢)
وينقل السفاريني عن السيوطي ترجيحه لكون القنطرة طرف من الصراط الذي يلي الجنة؛ أي أنه يرى أنها جزء من الصراط وتتمة له؛ حسب نقل السفاريني الآتي: قال الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه (البدور السافرة في علوم الآخرة): والأول – يعني أنه طرف الصراط الذي يلي الجنة – هو المختار الذي دلت عليه أحاديث القناطر والحساب على الصراط. (٣)
أما الإمام ابن كثير فإنه يجعلها بعد نهاية النار, وكأنه يجعلها صراطا مستقلا منصوبا على هول لانعلمه، فهو بعد ذكر كلام القرطبي ورأيه في هذه القنطرة من إنها صراط ثان؛ قال معلقا عليه: قلت: هذه بعد مجاوزة النار فقد تكون القنطرة منصوبة على هول آخر, مما يعلمه الله ولا نعلمه نحن, وهو أعلم. (٤)
فهو لم يترجح لديه – حسبما يظهر من كلامه – هل هي صراط آخر أو هي متصلة بالصراط العظيم الذي هو على متن جهنم؟
وكذلك ابن حجر، فإنه لم يرجح أيا من القولين حيث قال: والذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة، ويحتمل أن يكون من غيره بين الصراط والجنة. (٥) الحياة الآخرة لغالب عواجي- ٢/ ١٣٢٩