للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[واحد وأربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله الوهاب]

١) أن الوهاب هو الله وحده، بيده خزائن كل شيء، الذي له ملك السماوات والأرض ومن فيهن قال تعالى لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى: ٤٩ - ٥٠].

قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه خالق السماوات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وأنه يخلق ما يشاء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وأنه يخلق ما يشاء. ثم قال: فجعل الناس أربعة أقسام منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكوراً وإناثاً، ومنهم من يمنعه هذا وهذا، فيجعله عقيماً لا نسل له ولا ولد له، إنه عليم أي بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام، قدير أي على يشاء من تفاوت الناس في ذلك (١).

فالله سبحانه يهب ما يشاء لمن يشاء، لأنه مالك الملك وأما العباد فإنهم ملك لله سبحانه، والعبد لا يملك أن يهب شيئاً على الحقيقة. قال تعالى ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ [النحل: ٧٥].

٢) الفرق بين هبة الخالق والمخلوق:

قال الخطابي رحمه الله: فكل من وهب شيئاً من عرض الدنيا لصاحبه فهو واهب ولا يستحق أن يسمى وهاباً إلا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا فكثرت نوافله ودامت، والمخلوقون إنما يملكون أن يهبوا مالاً أو نوالاً في حال دون حال، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم، ولا ولداً لعقيم، ولا هدى لضال، ولا عافية لذي بلاء، والله الوهاب سبحانه يملك جميع ذلك، وسع الخلق جوده، فدامت مواهبه واتصلت منه وعوائده (٢).

وأكثر الخلق إنما يهبون من أجل عوض ينالونه، كأن يهب لأجل أن يمدح بين الناس، أو يهب من أجل الثواب في الآخرة (٣).

٣) النبوة والكتاب هبة من الله يختص بها من يشاء من عباده، وقد أنكر أقوام الرسل هذا الأمر فحكى الله عن قوم صالح عليه الصلاة والسلام أنهم قالوا أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ [القمر: ٢٥].

وقال سبحانه عن كفار قريش أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ [ص: ٨ - ٩].

يقول ابن جرير رحمة الله: يقول تعالى ذكره أم عند هؤلاء المشركين المنكرين وحي الله إلى محمد خزائن رحمة ربك يعني مفاتيح رحمة ربك يا محمد، العزيز في سلطانه، الوهاب لمن يشاء من خلقه ما يشاء من ملك وسلطان ونبوة، فيمنعوك يا محمد ما من الله به عليك من الكرامة، وفضلك به من الرسالة (٤).

وقال تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالكِتَابَ [العنكبوت: ٢٧]. وقال عن موسى عليه الصلاة والسلام فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ المُرْسَلِينَ [الشعراء: ٢١].

وقال سبحانه وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا [مريم: ٥٣].

٤) الملك والسلطان هبة من الله سبحانه وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: ٢٤٧].


(١) ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ١٢١).
(٢) ((شأن الدعاء)) (ص: ٥٣).
(٣) انظر: ((شرح الأسماء)) للرازي (ص: ٢٢٤ - ٢٢٥) و ((المقصد الأسنى)) (ص: ٤٩).
(٤) ((جامع البيان)) (٢٣/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>