للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: الأدلة من الكتاب على لزوم الجماعة]

لقد وردت في كتاب الله الكريم، آيات تأمر المؤمنين وتحثهم على لزوم الجماعة، والائتلاف، وتبين لهم أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، وهي حقيقة جاء تأكيدها في أكثر من موضع في القرآن الكريم.

ولكن لابد لهذا الأصل العظيم من شروط يجب تحقيقها، وضوابط يجب مراعاتها، ولا سبيل إلى تحقيق هذه الغاية الجليلة إلا باعتبار تلك الشروط والضوابط.

لذلك جاءت آيات أخرى مبينة للشروط، وموضحة للضوابط، ومن أمثلة ذلك الأمر بإقامة الدين كله، بتوحيد الله تبارك وتعالى، واجتناب الشرك بكافة أنواعه وفروعه.

ومن ذلك أيضاً الحث على الأخوة الإيمانية، والأمر بالتعاون على البر والتقوى. وقد استنبط العلماء –رحمهم الله- من هذه الآيات، المقومات الصحيحة لاجتماع المسلمين وتآلفهم.

وفيما يلي ذكر أهم الأدلة من القرآن الكريم على وجوب لزوم الجماعة:

(الدليل الأول) قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: ١٠٢ - ١٠٣].

ذكر ابن جرير –رحمه الله- بأسانيده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا. قال: الجماعة (١).

وذكر بأسانيده أقوالاً أخرى عن السلف في تفسير معنى (حبل الله) منها: القرآن، والإخلاص لله وحده، والإسلام (٢).

وهذه الأقوال مؤداها واحد، ونتيجتها واحدة، فإن الاعتصام بالقرآن، والإخلاص لله وحده، والتمسك بالإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلها مما ينتج عنه تآلف المسلمين واجتماعهم وترابطهم وترابطهم وتماسك مجتمعهم.

وقال ابن جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية: (يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله) (٣).

وقال ابن كثير رحمه الله: (وقوله وَلاَ تَفَرَّقُواْ أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة .. وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف).

إلى أن قال: (وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ، كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضاً. وخيف عليهم الافتراق والاختلاف فقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلمة من عذاب النار، وهم الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) (٤).

وقال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: عن عبد الله بن مسعود وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ. قال: الجماعة، روي عنه وعن غيره من وجوه، والمعنى كله متقارب متداخل فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة فإن الفرقة هلكة والجماعة نجاة. ورحم الله ابن المبارك حيث قال:

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا ... منه بعروته الوثقى لمن دانا (٥)


(١) ((جامع البيان عن تأويل القرآن)) (٤/ ٣٠ - ٣١)، ط الحلبي الثالثة (١٣٨٨هـ).
(٢) ((جامع البيان عن تأويل القرآن)) (٤/ ٣٠ - ٣١)، ط الحلبي الثالثة (١٣٨٨هـ).
(٣) ((جامع البيان)) (٤/ ٣٠).
(٤) ((تفسير القرآن العظيم)) (١/ ٣٨٩) ط- الحلبي.
(٥) ((الجامع لأحكام القرآن)) (٤/ ١٥٩)، ط دار الكاتب العربي – الثالثة ١٣٨٧هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>