للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: أنواع المضاف إلى الله]

المضاف إلى الله سبحانه في الكتاب والسنة سواء كانت إضافة اسم إلى اسم أو نسبة فعل إلى اسم أو خبر باسم عن اسم لا يخلو من ثلاثة أقسام:

أحدها: إضافة الصفة إلى الموصوف: كقوله تعالى: وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ [البقرة:٢٥٥] وقوله: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:٥٨] وفى حديث الاستخارة: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك)) (١) وفي الحديث الآخر: ((اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق)) (٢) فهذا في الإضافة الاسمية

وأما بصيغة الفعل فكقوله: عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:١٨٧] وقوله: عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ [المزمل:٢٠] وأما الخبر الذي هو جملة اسمية فمثل قوله: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:٢٨٢] وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:٢٨٤] وذلك لأن الكلام الذي توصف به الذوات إما جملة أو مفرد فالجملة: إما اسمية كقوله: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:٢٨٢] أو فعلية كقوله: عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ [المزمل:٢٠] أما المفرد فلابد فيه من إضافة الصفة لفظا أو معنى كقوله: بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ [البقرة:٢٥٥] وقوله: هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [القصص:٧٨] أو إضافة الموصوف كقوله: هُوَ الرَّزَّاقُ [الذاريات:٥٨]

والقسم الثاني: إضافة المخلوقات: كقوله نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا [الشمس:١٣] وقوله وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [الحج:٢٦] وقوله رَسُولَ اللَّهِ [النساء:١٥٧] وَعِبَادُ الرحمن [الفرقان:٦٣] وقوله ذو الْعَرْشِ [غافر:١٥] وقوله وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:٢٥٥] فهذا القسم لا خلاف بين المسلمين في أنه مخلوق كما إن القسم الأول لم يختلف أهل السنة والجماعة في أنه قديم وغير مخلوق

وقد خالفهم بعض أهل الكلام في ثبوت الصفات لا في أحكامها وخالفهم بعضهم في قدم العلم وأثبت بعضهم حدوثه وليس الغرض هنا تفصيل ذلك

الثالث: وهو محل الكلام هنا ما فيه معنى الصفة والفعل: مثل قوله: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:١٦٤] وقوله: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:٨٢] وقوله: قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي [الكهف:١٠٩] وقوله: يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ [الفتح:١٥] وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ [البقرة:٧٥] وقوله: إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة:١] فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ [هود:١٠٧] وقوله: فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ [البقرة:٩٠] وقوله: وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النساء:٩٣] وقوله: فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف:٥٥] وقوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ [محمد:٢٨] وقوله: رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [البينة:٨] وقوله: وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا [الأعراف:٢٣] وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ [المؤمنون:١١٨] وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ [البقرة:٢٨٦] وكذلك قوله: خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:١٦٤] لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:٧٥] وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:٥٤] وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:٢٢] هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ [البقرة:٢١٠] هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [الأنعام:١٥٨] وفي الأحاديث شيء كثير كقوله في حديث الشفاعة: ((إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله)) (٣) وقوله: ((ضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة)) (٤) وقوله: ((ينزل ربنا إلى سماء الدنيا)) (٥) الحديث وأشباه هذا وهو باب واسع مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - ٦/ ١٤٤


(١) رواه البخاري (١١٦٢). من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٢) رواه النسائي (٣/ ٥٤)، وأحمد (٤/ ٢٦٤) (١٨٣٥١)، وأبو يعلى (٣/ ١٩٥)، وابن حبان (٥/ ٣٠٤)، والحاكم (١/ ٧٠٥). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ١٧٧): رواه النسائي باختصار ... ، رواه أبو يعلى ورجاله ثقات إلا أن عطاء بن السائب اختلط. وقال الألباني في ((صحيح النسائي)): صحيح.
(٣) رواه البخاري (٤٧١٢)، ومسلم (١٩٤). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) رواه البخاري (٢٨٢٦)، ومسلم (١٨٩٠) بلفظ ((يضحك)).
(٥) رواه البخاري (١١٤٥) ومسلم (٧٥٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>