للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: تاريخ عقيدة التوحيد ومتى طرأ الانحراف عنها!!]

عقيدة التوحيد هي الدين الحنيف، والدين القيم، دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فهي موجودة مع وجود هذا الإنسان كما ثبت بالدليل القطعي وهو القرآن الذي هو أوثق مصدر للتاريخ.

قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم: ٣٠].

فآدم، عليه السلام، قد فطره الله على العقيدة السليمة، وعلمه ما لم يعلم من أمور الدين، فكان موحدا لله –تعالى- التوحيد الخالص، معتقداً لله ما يجب له –تعالى- من التعظيم والطاعة والرجاء والخشية، وقد اصطفاه الله من عباده المخلصين، قال الله – تعالى -: إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران: ٣٣].

وقد شرفه الله –تعالى- بذلك، وأسجد له الملائكة، قال –تعالى-:

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ [البقرة: ٣٤].

وقد أخذ الله –تعالى- على بني آدم العهد والميثاق أنه ربهم، وأشهدهم على أنفسهم في أصل خلقهم من أصلابهم، فقال –تعالى-: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف: ١٧٢ - ١٧٣].

والناس كلهم يولدون على الفطرة وينشأون عليها، ما لم تصرفهم عنها صوارف الشر والضلال، من التربية على الكفر والضلال، ومن الأهواء ووساوس الشياطين، وشبهات المبطلين، وشهوات الدنيا، وقد جاء في الحديث القدسي قوله –تعالى-: (( ... وأني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً .. )) (١). الحديث.

وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه)) (٢) .. الحديث فكما يتوجه هذا إلى كل إنسان مولود، يتوجه إلى أول إنسان وهو آدم، عليه السلام، من باب أولى، فعقيدة التوحيد والخير والصلاح هي الأصل الذي كان عليه آدم، عليه السلام، والأجيال الأولى من ذريته، فكانوا على التوحيد الخالص. أما الشرك والضلال فإنما هي أمور طارئة لم تحدث إلا بعد آدم، عليه السلام، بأزمان وأجيال، وعلى التدريج فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) (٣).

وإلى هذا تشير الآية في قوله –تعالى-: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة: ٢١٣].

أي: كانوا على الحق والهدى أمة واحدة على دين واحد – أول الأمر – فاختلفوا فيما بعد. كذا فسرها كثير من السلف (٤).

وفي عهد نوح، عليه السلام، كان الشرك سائداً في قومه، فكانوا يعبدون الأصنام من دون الله، لذلك قال الله – تعالى – عن نوح: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللهَ ... [هود: ٢٥ - ٢٦].

وبهذا يتبين قطعاً أن العقيدة السليمة والتوحيد الخالص هما الأصل في تاريخ البشر، وأن الضلال والشرك والوثنية أمور طارئة بعد أحقاب من الزمان بعد آدم، عليه السلام .. والله أعلم. مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة لناصر العقل – ص: ١٩


(١) رواه مسلم (٢٨٦٥). من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (١٣٥٩)، ومسلم (٢٦٥٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) رواه الطبري في تفسيره (٤/ ٢٧٥)، والحاكم (٢/ ٥٤٦ - ٥٤٧) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال ابن تيمية في ((بيان تلبيس الجهمية)) (٣/ ٦٥): ثابت, وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (٧/ ٨٥٤): صحيح.
(٤) راجع تفسير الآية السابقة في: ((تفسير الطبري)) (٢/ ١٩٤ - ١٩٥). و ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٢١٨). وانظر: ((دعوة التوحيد)) للدكتور محمد خليل هراس (ص: ١٠٦ - ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>