للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني: أن يكون موجوداً في الحال

وهذا الشرط له ثلاث أحوال:

الحالة الأولى: أن يكون قد هم بفعل المنكر.

الحالة الثانية: أن يكون متلبساً بالمنكر.

الحالة الثالثة: أن يكون قد انتهى من فعل المنكر.

تفصيل هذه الأحوال:

الحالة الأولى: أن يكون قد هم بفعل المنكر: وذلك بأن توجد مقدمات وعلامات ومؤشرات تدل على وقوع المنكر مثل: أن يرى رجلاً يتردد مراراً في أسواق النساء ويصوب النظر إلى واحدة بعينها أو رأى شاباً يقف كل يوم عند باب مدرسة بنات ويصوب النظر إليهن. وليس له من حاجة غير ذلك. أو سمع رجلاً يتحدث بالهاتف –هاتف الشارع- بصوت مرتفع مع امرأة ويحاول أن يرتبط معها بموعد، أو رأى رجلاً يسأل بكثرة عن كيفية تصنيع الخمر، وطريقة تركيبه كل هذه الأمور تعتبر من المقدمات لفعل المنكر. فعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في هذه الحالات الوعظ، والنصح، والإرشاد، والتخويف بالله سبحانه وتعالى، وبعقوبته والخوف من عذابه وبطشه. ويذكر له بعض النصوص القرآنية التي تبين أن الله سبحانه وتعالى مطلع عليه يسمع كلامه ويرى مكانه. مثل قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة: ٧].

ومثل قوله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر: ١٩].

وليكن ذلك بأسلوب فيه لين وعطف وإشفاق وليس فيه تجريح أو رفع صوت أو تشهير فهذه الأمور ربما دفعته إلى حالة تأخذه فيها العزة بالإثم. وليس هناك أحسن من هذا الأسلوب في هذه الحالة. والعلم عند الله.

الحالة الثانية: أن يكون متلبساً بالمنكر:

ومعنى ذلك أن تكون المعصية وصاحبها مباشر لها وقت النهي والتغيير. كمن هو جالس وأمامه كأس الخمر يشرب منه أو كمن هو أدخل امرأة أجنبية إلى داره وأغلق الباب عليهما ونحو ذلك. ففي هذه الحال يجب على الآمر بالمعروف والناهي المنكر الإنكار عليه ومنعه من ذلك طالما أنه قادر على إزالة المنكر ولم يخف على نفسه ضرراً أو أذى.

يقول القاضي عياض –رحمه الله- حق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولاً كان أو فعلاً، فيكسر آلات الباطل ويريق المسكر بنفسه وينزع المغصوب ويرده إلى أصحابه (١).

والإنكار عليه يكون بحسب فعل المنكر ومرتبة حكمه في الشرع.

الحالة الثالثة: أن يكون فاعل المنكر قد فعله وانتهى منه ولم يبق إلا آثاره، كمن شرب الخمر وبقيت آثاره عليه أو من عرف أنه ساكن أعزب وخرجت من عنده امرأة أجنبية ونحو ذلك. ففي هذه الحال ليس هناك وقت للنهي أو التغيير وإنما هناك محل للعقاب والجزاء على فعل هذه المعصية، وهذا الأمر –في الغالب- ليس من شأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر –المتطوع- وإنما هو شأن ولي الأمر أو نائبه فيرفع أمره للحاكم ليصدر فيه الحكم الموافق للشرع.

يقول العلامة ابن نجيم ... وأما بعد الفراغ منها –المعصية- فليس ذلك لغير الحاكم (٢).

وللآمر بالمعروف أن يخوفه بالله ويحذره من الوقوع في مثل ذلك مستقبلاً، ويذكره بآثار المعاصي السيئة في الدنيا والآخرة. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعبد العزيز بن أحمد المسعود – ص ٢١٣


(١) انظر: ((شرح صحيح مسلم للنووي)) (١/ ٥١).
(٢) انظر: ((البحر الرائق شرح كنز الدقائق)) (٥/ ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>