للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: أهل الجنة يرثون نصيب أهل النار في الجنة]

جعل الله لكل واحد من بني آدم منزلين: منزلاً في الجنة، ومنزلاً في النار، ثم إن من كتب له الشقاوة من أهل الكفر والشرك يرثون منازل أهل الجنة التي كانت لهم في النار، والذين كتب لهم السعادة من أهل الجنة يرثون منازل أهل النار التي كانت لهم في الجنة، قال تعالى في حق المؤمنين المفلحين بعد أن ذكر أعمالهم التي تدخلهم الجنة: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: ١٠ - ١١].

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " قال ابن أبي حاتم – وساق الإسناد إلى أبي هريرة رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإن مات فدخل النار وَرثَ أهل الجنة منزله، فذلك قوله: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [المؤمنون: ١٠])) (١). وقال ابن جُرَيْج، عن لَيْث، عن مجاهد: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ قال: ((ما من عبد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فأما المؤمن فيبني بيته الذي في الجنة، ويهدم بيته الذي في النار)) (٢). وروي عن سعيد بن جبير نحو ذلك، فالمؤمنون يرثون منازل الكفار، لأنهم خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له، فلما قام هؤلاء بما وجب عليهم من العبادة، وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له، أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل، بل أبلغ من هذا أيضاً، وهو ما ثبت في (صحيح مسلم) عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يجيء ناس يوم القيامة من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى)) (٣) وفي لفظ له: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان يوم القيامة دفع الله لكل مسلم يهودياً أو نصرانياً، فيقال: هذا فكاكك من النار)) (٤). وهذا الحديث كقوله تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:٦٣] وقوله: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف: ٧٢] (٥) فهم يرثون نصيب الكفار في الجنان. الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص١٩٢


(١) انظر: ((تفسير ابن أبي حاتم)) (١٢/ ٢١٣)، و ((تفسير ابن كثير)) (٥/ ٤٦٤). والحديث رواه ابن ماجه (٤٣٤١). وقال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (٤/ ٢٦٦ - ٢٦٧): هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٢) رواه الطبري في ((تفسيره)) (١٩/ ١٣).
(٣) رواه مسلم (٢٧٦٧) (٥١).
(٤) رواه مسلم (٢٧٦٧) (٤٩).
(٥) انظر: ((تفسير ابن كثير)) (٥/ ٤٦٤ - ٤٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>